ما أضعف هذا الإنسان وأقل صموده أمام لحظات الغضب عندما تتشكل على ملامحه وتبدأ في تسيير تصرفاته ليرافقها من الحماقات ما يكون مخالفا لحكم العقل وخارجا عن مسار العدل، ثم ما أقوى حجة الإنسان وأبلغ كلمته حين يتحلى بحلية الصبر، ويغلب الأناءة وسعة الصدر، ويتجمل بفضيلة الحلم، فمن منا لا يجمح به غضبه ليسلكه في تصرف سرعان ما تكون عاقبته الندم، ليكون لدينا رصيد معرفي بذلك المآل السيئ الذي يدفعنا إليه الغضب. فقد صدق حكيم حين قال: (وتجرع الغيظ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ مغبة)، فمن ذاق حلاوة هذه الجرعة، والتذ بمغبتها فحري به أن يتقبل الإساءة ويهون عليه التجاوز ما لم تكن هناك إساءة تستدعي نواتج سيئة تضر بالمجتمع في حال الصفح عنها. أما سائر الأخطاء التي تكون غالبا في الحق الشخصي، فالعفو فيها أولى، والصفح عنها أحرى، وقلما ندم الإنسان على حلم تحلى به، بل قد يجد أن توفيقا من الله رافقه ليبعده عن السقوط في أوحال الغضب، فكم من أسرة تشردت وأرحام تقطعت وحقوق منعت بسبب الغضب، وكم من خير حجب وفضل احتجب حتى حل بدلا عنه شر محض ما كان له أن يكون لولا أن استدعاه الغضب، فلماذا ننظر للنتائج القريبة التي دافعها الانتقام، ونغفل عن المكاسب البعيدة التي لا تنطوي مسافاتها إلا بالصبر والتحمل. فياغافلا عن عزة الحلم ربما تغافلت حتى ايقظتك الدواهيا فما غاضب إلا أضر بنفسه وما مغضي إلا أصاب الأمانيا