أضحت جرائم العاملات المنزليات خلال الفترة الحالية أمرا غير مستغرب في أوساط المجتمع، وبعد أن كانت تتصدر أخبار الصحف والمجلات، بات معظمها يتم نشره في أجزاء صغيرة رغم شناعة بعض القضايا، نظرا للكم الهائل من أخبار الجرائم التي ترتكبها العاملات، ومنها ما هو أشد وطأة، ولكن تكراره جعله غير ذي أولوية في أجندة الأخبار اليومية. "الوطن" تناولت هذه القضية وحاورت الجهات ذات العلاقة، خاصة بعد أن تحول الأمر لحدث متكرر، لدرجة وصلت معها جرائم العاملات إلى ما يشبه "الظاهرة" التي تستحق الدراسة والتصدي لها. طيبة مفرطة أحمد البوشل، والد الطفل مشاري الذي راح ضحية جريمة إحدى العاملات، بعد أن دست مادة سامة برضاعته أدت إلى وفاته، وهي قضية تناولها خلال العامين الماضيين مختلف وسائل الإعلام، وأصبحت قضية رأي عام، يقول "يبدو أن الإفراط في تعامل الأسرة بطيبة مبالغ فيها مع العاملات جعلهن يتمادين لدرجة جعلتهن يرتكبن الجريمة دون التفكير بالعقوبة، أو أن سذاجة بعضهن أوحت لهن بأن ما سيقمن به من جريمة مدبر لها بإتقان، لن يجعل الجهات الأمنية تكتشف أية دليل على إدانتهن". وأضاف البوشل "أعتقد أن من ضمن الأسباب الجوهرية لارتكاب العاملات جرائم مختلفة الأحكام التي تصدر بحقهن، والتي أرى أنها لا تتكافأ مع نوعية القضايا التي يرتكبنها"، مستشهدا بالحكم الصادر بحق العاملة التي تسببت بمقتل ابنه، حيث يرى أن عقوبة الإعدام هي الجزاء الوحيد لفعلتها، خاصة بعد أن صدقت اعترافاتها لدى هيئة التحقيق والادعاء العام، وفي المقابل كانت المفاجأة غير المتوقعة إصدار حكم بسجنها عدة أعوام، نظرا لتضارب الإفادة في التقريرين الطبيين اللذين حصلت عليهما المحكمة من مستشفيين استقبلا حالة ابنه أثناء تردي حالته. قصص مأساوية وترى مها سعود "ربة منزل" أن ترك الحبل على الغارب للعاملة، وعدم ملاحظتها من شأنه أن يجعلها تفكر بارتكاب الخطأ، وتحديدا ارتكاب جرم بحقها أو بحق أحد أفراد الأسرة.. وذكرت قصتها مع عاملتها التي قامت بتسفيرها قبل فترة وجيزة، حيث تقول"حاولت أن أمنح عاملتي سبل الراحة والرفاهية، حتى ينعكس ذلك على أدائها خلال عملها المنزلي، وتقوم به على أكمل وجه. ومن ضمن المزايا التي منحتها إياها هاتف محمول بغرض الاتصال بأهلها وأقاربها في بلدها والاطمئنان عليهم، على أن أدفع جميع تكاليف هذه المكالمات، وبعد فترة على هذا الحال، اكتشف زوجي أنها تقوم بإدخال أشخاص أجانب إلى المنزل أثناء عدم تواجدنا، وتحديدا خلال أوقات أعمالنا الرسمية في فترة الصباح".. أما إحدى المواطنات فضلت عدم ذكر اسمها فقالت: إن غيرة العاملة من ربة المنزل تجعلها لا تتردد في ارتكاب أية جريمة من شأنها التسبب بتعكير أجواء الأسرة، بل قد يصل الأمر إلى ارتكاب أعمال سحر. وتعترف "ربة منزل" بأن ممارسة القسوة تجاه العاملة، وعدم إعطائها أبسط حقوقها كالطعام أو صرف مستحقاتها المالية أولا بأول، كفيل بجعلها تتصرف بطريقة عدوانية، وتهدد بارتكاب الجريمة، مثلما حصل مع عاملتها، حيث تقول "مررنا قبل فترة بظرف مالي أدى إلى تأخرنا عن صرف الراتب الشهري للخادمة.. ورغم معرفتها بظرفنا وتفهمها وضع الأسرة بعد أن شرحنا لها سبب التأخر في صرف الراتب الشهري، ووعدناها بصرفه الشهر الذي يليه، كانت المفاجأة أنها ما إن ترى أحد الضيوف يأتي لزيارتنا حتى تشتكي له من سوء معاملتنا لها، وتأخر صرف رواتبها لأشهر عدة، رغم عدم صحة شكواها والمبالغة في كلامها.. ولم تكتف بذلك، بل إنها حاولت مرارا إحراق المنزل، الأمر الذي جعلنا نستدين مبلغا من المال من أجل استيفاء حقوقها وتسفيرها في أسرع وقت ممكن". ويطالب المواطن خليل البراهيم الجهات المعنية قبل بدء العاملة العمل داخل البيوت بالتأكد من عدم وجود صحيفة سوابق عليها، إضافة إلى إعطائها دروسا عن حقوقها وواجباتها، وعن طرق التعايش مع الأسر السعودية، نظرا لأن غالبية العاملات يجهلن العادات والتقاليد لدى الأسر السعودية، وبالتالي يقمن بفعل أمور يرين أنها عادية جدا، في حين تعتبر هذه الأمور ضمن الجرائم بنظر بعض الأسر، كالتدخين أو المعاكسة أو عدم الاحتشام. الجهل بالحقوق من جهته قال المحامي حمود بن راشد الخالدي "لا شك أن الكفيل والعاملة كليهما لا يعلم تحديداً ما له وما عليه من حقوق وواجبات. وأعتقد أن أقلهما دراية بحقوقه هي العاملة، وذلك لعدة أسباب، منها ضعف المستوى التعليمي في الغالب، والذي يجعلها تجهل كثيراً من حقوقها". ويضيف أن الإحصائيات تؤكد ارتفاع جرائم العاملات والسائقين لدينا، وقال "ما زلنا لا ندرك أبعاد خطورة الظاهرة، إلا بعد أن يمر المجتمع بالتجارب الأليمة وبجرائم يندى لها الجبين، وذلك يرجع لقلة الوعي القانوني لدى الأسر.. والتعامل غير الواعي مع هذه القضايا من قبل الجهات المختصة، قد يكون له كبير الأثر في الإحجام عن الإبلاغ عن قضايا العاملات المنزليات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أرى أن تضخيم مجتمعنا لمخالفات بسيطة له دور كبير في تفاجئهم بما تفعله العاملات أحياناً". وأكد الخالدي على ضرورة التعامل الحازم مع الجرائم الواقع فيها اعتداء على حق خاص، مثل السحر، وإيذاء الأطفال، لأن ضررها متعدد وليس قاصراً، بل ولا يجوز التغاضي وعدم الإبلاغ، لإمكانية عودة العاملة بعد تسفيرها بدون محاكمة، والعمل لدى أسرة أخرى معاودة أفعالها من جديد. وأشار الخالدي إلى حتمية وجود علاقة تعاقدية بين المستفيد وبين مكاتب مختصة بتأجير خادمات للعمل في المنازل بعقد واضح، محدد المدة والشروط والواجبات والحقوق يتم بين الطرفين، وبموجبه يتم تأمين العاملة المنزلية.. ويتحمل هذا المكتب المسؤولية أمام المستفيد، ويلتزم المستفيد بالتعامل الحسن مع العاملة، محذرا من قيام بعض الأسر بالإبقاء على خادماتهم أطول فترة ممكنة رغم انتهاء مدة عقودهن، مؤكدا أن ذلك يؤدي بطبيعة الحال إلى مشاكل قد تصل إلى عنف بعض الأسر تجاه هؤلاء العاملات. ويرى أن بعض أسباب تأخر الحكم في الكثير من هذا النوع من القضايا تعود لوجود إجراءات نظامية واجبة الاتباع في مثل هذا النوع من القضايا الحساسة.. وأضاف "لا أستطيع أن أبرر تأخير البت في تلك القضايا، ولا أستطيع أن أنقم عليه، وذلك أن الحكم على الشيء فرع تصوره، أي إن الإجراء وسرعة إنجازه يختلف باختلاف من يقوم بأدائه، ولعلنا نلمس، ولله الحمد، تحسناً في سرعة البت في القضايا بجميع أشكالها، ولكن لكل قضية تفاصيل يجب أن تستكملها". غياب التنظيم وعن أبرز سلبيات مكاتب الاستقدام، أكد أن غالبية ما يشهده نشاط الاستقدام من سلبيات في الوقت الحالي يعود إلى دخول أشخاص ومكاتب ومؤسسات، عملهم في مجال الخدمات أو في مجالات أخرى كالمقاولات، وغيرها من الأنشطة، لم يكن مصرحا لهم العمل في نشاط الاستقدام، إلى المجال دون تدخل أو منع من طرف الجهات المختصة، وأدى ذلك إلى ما يشبه الفوضى في وقت من الأوقات، بحيث أصبح بعض الأفراد يتحصل على عدد من التأشيرات، ثم يقوم بدور مكتب الاستقدام، وهو غير مؤهل لذلك الدور وما يتطلبه من التزام بالمواعيد وغير ذلك من الأمور، مثل عدم وجود عقد موحد يكفل لجميع أطراف عملية استقدام العاملات ( الكفيل، العاملة، مكتب الاستقدام) ما يخصهم من حقوق وما يترتب عليهم من واجبات.. واستطرد بقوله: أرى أن يبدأ التصحيح من وزارة العمل، ووفقا للائحة شركات الاستقدام التي أصدرتها، قد وضعت عددا من الاشتراطات الفنية والإدارية والمالية والتنظيمية لإنشاء شركات الاستقدام، كان من بينها شرط إعداد دراسة الجدوى المطلوبة لمنح الترخيص بالعمل، وهو الشرط الذي أرجأت الوزارة تطبيقه لِما بعد مرحلة التسجيل المبدئي، على أن تزوّد به من قبل مؤسسي تلك الشركات عند مرحلة الترخيص النهائي لممارسة النشاط، بعد ذلك تكون العاملة مستأمنة لدى الأسرة، لأن في تلك المراعاة ما سيكفل تقليل مشاكل وقضايا العاملات. وأن تبدأ وزارة العمل بالاضطلاع بدورها بهذا الخصوص أيضاً، وذلك العمل عمل تكاملي بين جميع الأطراف. ويقترح أن يتم عمل نماذج موحدة تكون مطبقة للتعامل مع العاملات، وتكون تلك النماذج هي المتبعة لدى الجهات الرسمية، لتقطع تلك الجهات على العابثين عبثهم، وذلك أن العيب قد يكون في تعامل الأسر، وقد يكون في أحيان أخرى من العاملات اللاتي قد يقدمن بطبيعة الحال من عدة دول، مما يحتم تنوع الثقافات جودة وسوءا. الفحص النفسي من جهته، أوضح الناطق الرسمي لشرطة المنطقة الشرقية المقدم زياد بن عبدالوهاب الرقيطي عن تعدد دوافع جرائم العاملات، سواء بسبب البيئة الثقافة، أو الظروف النفسية، مضافا إليها نوعية العاملات المستقدمات، وأخرى ناتجة عن ردود أفعال لسوء المعاملة. وشدد الرقيطي على ضرورة حسن التعامل، وتشديد الرقابة على تصرفات العاملات، للتنبؤ المسبق ببعض الأخطار وتلافيها. وشدد الإخصائي الاجتماعي خالد حمد على ضرورة إلزام العاملات بالفحص النفسي قبل الاستقدام، لضمان سلامة إحداهن النفسية، أسوة بالفحص الطبي، مرفقا بشهادة توضح خلو سجلها من السوابق الجنائية، عبر التعاون بين سفارات وقنصليات المملكة، مع مكاتب الاستقدام في تلك الدول، لمنع تذرع العاملات بالأمراض النفسية عند ارتكاب الجرائم، للتنصل من حكم القضاء، مهيبا بعدم الوثوق بالعاملات، وضرورة إعطائهن حقوقهن المادية، وحسن المعاملة.