بعد عام على تنحي حسني مبارك مثيرا موجة من الفرح في ساحة التحرير، يمثل الرئيس السابق امام القضاء لكن مصر ما زالت تتلمس طريقها بين المجلس العسكري الذي يواجه معارضة شديدة والاسلاميين المنتصرين و"الثوار" الذين يواصلون تعبئتهم. وفي اوج الثورة في تونس، كانت 18 يوما من التظاهرات الهائلة كافية لانهاء حكم دام ثلاثين عاما بلا منازع واجبار الرجل على التنحي في 11 شباط/فبراير. وضخت هذه الثورة طاقة جديدة في البلاد حيث تشكلت احزاب سياسية جديدة وظهرت قوى وائتلافات شبابية مؤثرة في حين سلم زمان الحكم الى المجلس العسكري الذي تعهد بتمهيد الطريق لحكم ديموقراطي في البلاد قبل ان يعود مجددا الى موقعه. وللمرة الاولى منذ عقود شعر المصريون ان لهم دوراً في مستقبل بلادهم. وقد صرح الرئيس الامريكي باراك اوباما حينذاك ان "مصر لن تكون نفسها بعد اليوم". لكن بعد عام على نشوة الانتصار، تسربت مشاعر الاحباط والغضب الى المصريين. فالضغط السياسي ما زال خانقا ومظاهر الفوضى وانعدام الامن منتشرة في البلاد التي لم تخل ايضا من مظاهر الفساد بينما يشكل استمرار غلاء الاسعار عبئا على العائلات. وقالت استاذة العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في القاهرة رباب المهدي "قد يكون مبارك رحل لكن اثنين من اعمدة حكمه ما زالا قائمين وهما اجهزة الامن القوية والنظام الاقتصادي غير العادل". واضافت المهدي ان هذين العاملين هما اللذان عززا الثورة. وكان المتظاهرون هتفوا للجيش لوقوفه الى جانب الثورة. لكن بعد عام على الثورة انقلبت الاحتجاجات في مصر ضد ادارة المجلس العسكري للمرحلة الانتقالية للبلاد الذي اصبحوا يصبون عليه غضبهم واحتجاجاتهم. وفي الاشهر الاخيرة، خرج المتظاهرون في جميع محافظات مصر للتظاهر ضد الجيش ومطالبته بانهاء حكم المجلس العسكري فورا وعدم التدخل في صياغة الدستور المصري الجديد خشية ان يعمد الى ترسيخ صلاحياته في الدستور. ويقول المحتجون انه لم تحدث اي تغييرات حقيقية منذ الاطاحة بنظام مبارك خلال الثورة الشعبية التي قتل فيها 846 شخصا وجرح اكثر من ستة آلاف آخرين. وقالت المهدي انه ما زال هناك طريق طويل قبل انجاز اهداف الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية لكنها اعترفت "بحدوث تغييرات كبيرة". ويحاكم مبارك ووزير داخليته السابق حبيب العادلي وستة من معاونيه بتهمة قتل المتظاهرين خلال الثورة وقد يواجه هؤلاء احكاما بالاعدام اذا ثبت بالفعل انهم اصدروا اوامر باطلاق رصاص حي على المتظاهرين. كما يحاكم جمال وعلاء نجلي مبارك اضافة الى عدد من وزارء ورموز السلطة السابقة بقضايا فساد مالي.وكان سقوط مبارك الذي انفرد بحكم مصر لا يمكن تصوره قبل ثورة 25 يناير اذ ان مجرد الحديث عن صحة الرئيس كان يمكن ان يؤدي بالصحافي الى طريق مجهول وراء السجون.غير ان ظهور مبارك المريض (83 عام) على سرير متحرك خلف القضبان في اولى جلسات الاستماع لمحاكمته في اب/اغسطس الماضي، اثار لدى المصريين شعورا بالفرح وهم يرون "فرعون" يحاكم على شاشات التلفزيون. وحررت هذه الثورة جماعة الاخوان المسلمين التي كانت العدو اللدود لمبارك الذي حظر نشاطها على نطاق واسع طيلة فترة حكمه بل وتعرض افرادها احيانا لقمع وحشي من قبل عناصر وزارة الداخلية. وفاز الاخوان المسلمون والسلفيون بأكثر من ثلثي مقاعد اول برلمان منتخب في مصر بعد اطاحة نظام حسني مبارك اذ حصدوا 356 مقعدا من اجمالي 498 هو عدد النواب المنتخبين. وحقق السلفيون وهم اكثر الحركات الاسلامية تشددا والتي وضع اتباعها في السجون لسنوات مفاجأة في الانتخابات المصرية بعد ان تمكن حزب النور الذي تأسس بعد الثورة من انتزاع المرتبة لثانية بحصولة على 24% من الاصوات. وتعكس النقاشات التي تجري في جلسات البرلمان الجديد نفس المخاوف كارتفاع اسعار الغاز والوقود والفساد اضافة الى العنف الذي يمارسه عناصر الشرطة.ولخص المحلل سيف عبد الشهيد مشاعر المصريين في مقال في في صحيفة الاهرام مؤخرا، بالقول "تغير الكثير، ولكن الاكثر بقي على ما هو عليه". واضاف ان "القضية الحقيقية ليس الاستيلاء على السلطة ولكن انتزاع انيابها وحينما دعا الناس لانهاء النظام فقد ارادوا انهاء العنف الصادر من هذا النظام وليس تغيير الاشخاص". ومع غياب مبارك واختفاء الشرطة المكروهة من الشوارع خلال الثورة، تشهد مصر الجديدة حالة من عدم الاستقرار. وتجري صدامات في الشارع بين الشرطة والمحتجين واعمال عنف دينية وهجمات على انبوب النفط الذي يمد اسرائيل بالغاز وعمليات سطو مسلحة. وحفاظا على حركتهم، دعا ناشطون الى تظاهرات جديدة السبت واضراب عام متعهدين بمواصلة ثورتهم التي لم تنته بعد على قيد الحياة.