قد يختلف مفهوم الحرية تبعا لاختلاف الثقافات والدوافع سواء كانت سياسية أو إيديولوجية أو فلسفية أو حتى فردية بحتة على مستوى الفرد وحاجاته الماسة للأمن والمال والغذاء والدواء ونمط السلوك والحقوق الإنسانية المترتبة على كل ذلك، وهو بالتحديد الوقود الذي أشعل ثورات الربيع العربي واختلطت على إثره دماء البسطاء والعظماء في آن معا وسقطت عروش زعماء ما كان سقوط عروشهم أمرا متوقعا لكنه الظلم ونهاية الظالم الحتمية، وتلك سنة الله في خلقه وبغض النظر عما إذا كانت محقة لكنها في كثير من الأحيان لا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت حينما خرجت عن أهدافها التي من أجلها أزهقت أرواحا بريئة ما كان لها أن تزهق وأصبحت الحاجة للأمن أكثر من الحاجة للماء والغذاء غير أن ثورة سورية المباركة وإن شابها ما شابها فلا تقارن بغيرها وهي تواجه أشرس نظام عرفته البشرية. ومن يتابع الواقع السوري المؤلم ويرى تلك الجرائم المروعة التي ترتكب بحق الأبرياء من قبل نظام الأسد قد لا يجد بديلا عن استئصاله من الجذور ولن يكون ذلك أمرا هينا كما قد يعتقد البعض لكنه ليس مستحيلا فالموقف الروسي العنيد المعادي للثوار سيجد نفسه في نهاية المطاف مجبرا على الاستسلام حينما يعتقد أن نظام الأسد ورقة احترق معظم أجزائها ومن بعده إيران الخاسر الأكبر فسقوط بشار يعني سقوط المشروع الفارسي التوسعي (الحلم) ووفاة حزب الله سريريا وعلى الرغم من كل محاولات الغرب إجهاض الثورة من خلال منح مئات (الفرص الأخيرة) للأسد لإنهاء الاحتجاجات السلمية إلا أن ذلك باء بالفشل الذريع في إيقاف الثورة والتي تحولت فيما بعد إلى عسكرية حينما اضطرت لذلك ورغم نجاحها إلا أن بيان جبهة النصرة غير المتعقل ولا الحكيم وجه ضربة مؤلمة للثورة، ما يضع علامات استفهام كثيرة حول مصير الثورة وما ستؤول إليه الأوضاع بعد سقوط الأسد الوشيك وكان يمكن للصمت في هذه المرحلة الدقيقة أن يكون عملا استراتيجيا لكن ذلك يعطي مؤشرات إلى عدم نضج جبهة النصرة إعلاميا مع نجاحها عسكريا إذ لم يستوعبوا أن الحرب الإعلامية أمر وأدهى على العدو من سواها لذا ينبغي على الثوار إعادة ترتيب أوراقهم وتوحيد أهدافهم في هذه المرحلة التاريخية بالغة التعقيد والحساسية بالاستفادة من التعاطف العالمي مع ثورتهم وحشد طاقاتهم نحو تحقيق الهدف المشروع والتزام الصمت في مواطن قد يلحق الكلام المتهور فيها بثورتهم وتضحياتهم أضرارا فادحة تطيل أمد الصراع، ومعه استمرار نزيف الدماء البريئة.