د. محمد آل مرشد هدف كل إنسان على سطح هذه البسيطة من أي قوم أو دين ..غنيا كان أو فقيرا.. عالي الشأن أم قصيرا، العيش بسعادة فالكل يسعى مبررا للوصول إلى هذا السر العظيم فيسلك الطرق المختلفة ويقدم الجهود كل الجهود لينال هذا المطلب الذي ينشده.. ولكن للأسف الشديد يموت الكثيرون دون أن يكتشفوا هذا السر لتنتهي حياتهم الزمنية ذهابا وإيابا في مد وجزر في أفضل الحالات دون الاهتداء لسبيلها وتذوق طعمها.. فاختلف الناس في تعريفها وفهمها وأسباب الوصول إليها وكيفية استمرارها.. فما هي السعادة يا ترى؟ هل هي العيش الرغيد في وسط مال كثير أم أن صاحبها ذو منصب كبير؟ أم أنه ذو شهرة وحظ وفير؟ هل هي زواج وأولاد وعصبة في البلاد واستقرار وبناء واستثمار؟ ما هي إذن باختصار؟ نعم نحن نحتاج المال وهو عنصر مهم في حياتنا ولا شك أنه من أسباب الراحة شرط أن يخدمنا ويكون لنا عونا لا أن نكون له نحن خدما وحراسا.. لكنه ليس سر السعادة فمعروف كيف عاش ويعيش كثير من أغنياء العالم التعاسة بعينها رغم غناهم الفاحش فأحدهم لمرض ما يعطي كل أمواله ليتنعم بنعمة الصحة..أو يبعثر كل أمواله باحثا عن السعادة هنا وهناك لأن المال لم يوفرها.. فقصة كريستينا أوناسيس اليونانية الأصل معروفة فهي أغنى نساء الأرض بعد أن ورثت عن أبيها الملياردير الشهير أرسطو أوناسيس جزرا وبواخر وأموالا لا تعد فبحثت عن السعادة في الزواج فتزوجت مرة واثنتين وثلاثا وزادت وكان آخرها من روسيا شيوعيا زاوجت بين الرأسمالية والشيوعية وعند استغراب الناس وسؤالها ردت بأنها تبحث عن السعادة التي لم تعثر عليها بعد فلم تجدها معه فانفصلت منه أيضا واعترفت غير ذي مرة بأنها تعيسة شقية رغم أنها أغنى امرأة في العالم ..ووجدت مقتولة أو منتحرة لا يهم في النهاية ولم تذق طعم السعادة ..والأمثلة لا تعد وتحصى في هذا فليس المال مصدر السعادة ..ولا الزواج أيضا فقد جربت كثيرا من الرجال بأصنافهم ..كما يجرب الكثيرون كثيرا من النساء ظانين مخطئين أن السعادة هناك.. ومنهن من تدفع لتدخل قفصا ذهبيا إلا أنها بعد ذلك تبقى حبيسة هذا القفص الذي لن ينعم قلبها بالسعادة إلا خارجه.. فهل السعادة في الأبناء يا ترى؟.. قال تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا).. لكنه لم يقل مصدر السعادة وقال (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم)، وقال تعالى أيضا (إنما أموالكم وأولادكم فتنة).. فهم فتنة على كل حال.. وفي عصرنا الحاضر رغم تفاني الآباء في تقديم كل مقومات العيش الرغيد للأبناء والسهر على تربيتهم وتعليمهم إلا أنه في الغالب يطيرون دون الالتفات إلى عشهم إلا نادرا لرفع العتب والحرج من الضمير.. فهل السعادة في المنصب والجاه والشهرة إذن؟ لن أنسى قصة قصها علي أحدهم منذ الصغر أن صديقا له بعد أن يعود من عمله الشاق وبعد تناول الطعام غير الوفير من خبز ولبن عادة يحمد الله ويثني عليه ويركن ليرتاح فيقول إنه أسعد إنسان، فيتعجب له من يسمعه وكيف ذلك وأنت عامل فقير، فيقول يا هذا أنا سأنام ملء جفوني دون تفكير والآخر لا ينام إلا مستعينا بحبوب المنوم خائفا على حياته وأمواله وخلفه كثير من الحرس.. فكم من أهل المناصب والجاه ودوا لو استبدلوا حياتهم بحياة البسطاء لكن لا يستطيعون وأن قصص المشاهير وحياتهم معروفة فمعظمهم يعيش حياة تعيسة فالطلاقات المتكررة والهروب إلى الإدمان غالبا هو أسلوب حياتهم وأخيرا تنتهي حياة بعض منهم وهي كثيرة بالانتحار. فإذن لا المال الذي أنت حارسه ولا الجاه والمنصب والشهرة التي أنت عبد لها ولا زواج المنفعة والمصلحة أو العادة الذي أنت سجين به يجلب لك السعادة ولا العلم والشهادات وكل أسباب الحياة الرغيدة المترفة يمكن أن يوصلك لها كما أن كل انتصارات واكتشافات العالم في شتى أنواع العلوم والمعرفة التي تسهر لتسهيل الحياة وتيسيرها للإنسان لن تشفع لك وتجلب لك السعادة.. قد تسر وقد تسعد موقتا وقد تنجح وقد تنجز عملا ما وتفرح إلا أن كل هذا لن يمنحك السعادة الدائمة. فما هي السعادة إذن وأين سرها؟ السعادة هي الاطمئنان والشعور بالأمان التام وصفاء الروح والرضا عن النفس وقبولها كما هي دون تصنع أو تزييف أو مخادعة السعادة هي انشراح الصدر والإحساس الصادق بتحقيق الذات بحرية تامة مغمورة في حبها الأبدي السرمدي لا تعكره كل سخافات الدنيا جميعا.. فالحب وحده من يعمر القلوب ويسعدها ويصفي النفوس ويرضيها ففي الحب تسمو وترتفع وتحلق الأرواح إلى أعلى آفاقها بأجنحة الحب والسعادة بعد أن يلهمها المحبوب لتعطي الخير والجمال بعد أن ملكت الكون كله بحبها ليغمرها التفاؤل والأمل وليصبح كل شيء جميلا ورائعا وممكنا.. الحياة أقصر من أن تضيع في مواطن التجارب والركض وراء سراب السعادة فالسعادة بنت القلب لا تشترى بالنقود.. فالحب هو جنة الحياة وفردوسها وسيمفونيتها الأجمل التي تسعد القلب طربا مستديما وهو النور الذي ينير أركانه ويبدد ظلامه فلذة الحب الذي يلهم الروح ويسعد القلب لا يعرفها إلا من تعمر قلوبهم بالسعادة.. في هذا قال أحدهم : قيل للسعادة أين تسكنين؟ قالت: في قلوب المحبين.. فسألت فبمَ تتغذين؟ قالت: بصدق مشاعر المحبين.. قيل فبمَ تدومين؟ قالت بإسعاد المحبين.