يذهبن بدعوى الحصول على حل لمشكلاتهن التي لم يهتدين إلى سبيل للتخلص منها، ميممات وجوههن صوب "الرقاة"، علّهن بذلك يتخلصن من حمل أثقل كواهلهن، إلا أن عددا من النسوة ما إن يصلن، ويبدأ الراقي بالعلاج، حتى يبدأ معهن عذاب من نوع آخر، حين يتحول الراقي إلى جلاد، ممارسا الضرب على جسد إحداهن، بحجة إخراج "الجن" أو "الشياطين"، وهو الأمر الذي اعتبرته كثير من السيدات نوعا من "العنف الموجه ضد المرأة". مواقع للتعذيب تروي "أم غلا" تجربتها إلى "الوطن"، قائلة "عندما شعرت بضيق، أخذني زوجي إلى أحد الرقاة ليرقيني، وفوجئت بالراقي يقول لزوجي إن بي مسا، وطلب منه أن يمسكني، بينما كان هو يجلدني بسلك كهربائي، وهو يقول: اخرج! ورغم بكائي وصراخي وعويلي، وأنا أقول له إني أتألم، وإنني لا أعاني من المس، ولكن دون جدوى". وتساءلت "أم عاطف"، باستغراب قائلة "لماذا تحولت غرف الرقاة إلى مواقع للتعذيب، والضرب بالأسلاك الكهربائية، أو العصي؟"، مضيفة "تعرضت لضرب مبرح جعلني لا أستطيع النوم أو الحركة أكثر من 30 يوما، رغم أني واثقة أني لا أعاني من المس، وأني أعاني من العين فقط". غطاء شرعي من جهتها اعتبرت خيرية عسيري أن المشكلة تكمن في أن "هذا الضرب والتعذيب، يتم بغطاء شرعي، وسط صمت من المرأة ومن زوجها، اللذين لا يقدران على الشكوى، وهما يظنان أن في ذلك شفاء لهما"، وما يثير الدهشة برأيها أن كل ذلك "يحدث بحضور الولي أو الأهل وبمساعدتهم، حتى تنتهي عملية التعذيب والضرب"، مطالبة الجهات الرقابية ب"التدخل لمنع الرقاة من جلد السيدات وتعذيبهن بمسوغات شرعية، لم ترد في الشريعة الإسلامية". رقاة مزيفون هذه الظاهرة بنظر مساعد الناطق الإعلامي بشرطة عسير، المقدم عبد الله ظفران، تفاقمت "ظهور بعض الأدعياء، وتكسبهم بدعوى قدرتهم على علاج الناس من الأمراض المزمنة، وجلب الرزق، وحل المشاكل. وهؤلاء يثيرون القلق، وفي ذات الوقت يشكلون هاجسا أمنيا، لظهور كثير من المشاكل والانحرافات". ويعتقد ابن ظفران أن هذا النوع من السلوك يظهر لدى "المجتمعات التي تسودها الجهالة والأمية، وفي أي مجتمع تشيع فيه الأفكار والممارسات الخرافية، التي لا سند لها من علم ودين". ضربٌ خطر ضرب بعض الرقاة، مسألة "لا نفع منها"، كما يرى استشاري طب الأسرة والمجتمع، ووكيل كلية الطب ب"جامعة الملك خالد"، الدكتور خالد جلبان، موضحا أن "هناك حالات من الضرب قد تؤدي إلى الوفاة. فبعض الرقاة يستخدم الجلد المبرح، أو الخنق، كوسيلة لإخراج الجن". معتبر أيضا أن "تعرض الإنسان وخاصة إذا كان صغيرا في السن، للضرب والإهانة، بشكل غير مبرر، ينعكس سلبا عليه، مما يجعله يعاني من اكتئاب ما بعد الصدمة". مبينا أنه قد صادف مشكلات لمريضات تعرضن ل"جرائم من الرقاة، لا يرتكبها أسوا الناس، وذلك تحت ستار الدين، وثقة الناس بهم". مجرد إيحاءات وعن تفسير الصوت الذي يخرج من الإنسان أثناء قراءة الراقي، وكأنه صوت لشخص آخر مختلف، أكد خالد جلبان أنها "عبارة عن إيحاءات وتقمص للمريض لهذا الدور، فقد يتخيل المريض وجود هذا الصوت، كتبرير لمشكلته، مبينا أن هناك العديد من الدراسات النفسية العالمية، التي أكدت أن هذه الأصوات تخرج نتيحه للإيحاء". جلبان طالب ب"وضع نظام واضح وقوانين ومرجعية للعلاج الروحي في المستشفيات، ومراقبة قضايا ممارسة الرقية الشرعية، وأن تكون هناك جهات رقابية محددة، وأن يكون هناك طريق موضح للرقية، وإخضاع الرقاة لدورات تدريبية مشتركة، للتوافق بين الأطباء النفسيين والرقاة الشرعيين". مشددا على ضرورة "التعامل مع قضية ضرب الرقاة، كجريمة يعاقب عليها القانون". ثقافة مجتمعية التذاكي والإيحاء الذي يمارسه الراقي، والثقافة المجتمعية القابلة للتصديق، هي سبب رئيس في رواج ظاهرة الضرب هذه، كما يرى استشاري الطب النفسي ب"جامعة الملك خالد"، الدكتور حسن العمري، معتبرا أنه "كلما كانت شخصية الراقي قوية، كانت لديه قدرة على الإقناع"، يضاف إلى ذلك "ثقافة المجتمع التي تدعم ثقافة المس والجن، حيث يدخل المريض في نوع من الإيحاء، يتحكم فيه العقل الباطن، وذلك يعكس ثقافة مخزنة في عقلية المريض، من الخبرات التي اكتسبها، فتظهر بشكل حسي، فيظهر صوت المريض وكأنه صوت لشخص آخر يخرج منه، ويظهر المقرئ وكأنه يتكلم مع شخص آخر!". كسرٌ في الجمجمة! العمري أبان أنه رصد "العديد من الحالات التي يدخل فيها المريض في نوبات صراخ"، معتبرا أن "ما يحدث عند الرقاة، لا يمكن الحكم عليه علميا". كاشفا أن هناك "حالات خطيرة" مرت عليه بسبب تعرض أناس للضرب، مثل "حالات تم فيها كسر الجمجمة، أو حالات فصام، أو أمراض عضوية في المخ". معتبرا أن "أخطر أنواع الضرب استخدام الكهرباء بهدف إحراق الجان، مما قد يؤدي إلى الوفاة، وإلى مشاكل في القلب". تجارة وتكسب! الموضوع تحول لدى بعض الرقاة لنوع من التجارة، حيث يقومون، كما يقول العمري، ببيع بعض الأعشاب بأسعار تبدأ من 50 ريالا، وصولا إلى 1500 ريال!. موضحا أنها "خلطات غير معروفة، قد تؤدي إلى حالات اضطراب وتسمم، وكثير من الحالات أصيبت بفشل كلوي، بسبب هذه الأعشاب غير معروفة المصدر".