في الوقت الذي أكد فيه عدد من الاختصاصيين ورجال أعمال ضعف دور الشركات والقطاع الخاص تجاه خدمة المجتمع، أشاروا إلى أن مشاركات البعض منها في فعاليات ومنتديات خيرية يهدف إلى تجميل سمعتها والدعاية لمنتجاتها، فيما تتعامل شركات أخرى مع المسؤولية الاجتماعية من قبيل أداء "الزكاة". وأشاروا في حديث إلى "الوطن" أن الهدف المبطن لمشاركات بعض الشركات ربحي من الدرجة الأولى، لافتين إلى أن المفهوم للمسؤولية يختلف كليا عما يطبق في الواقع، داعين الشركات إلى تحمل مسؤولياتها تجاه المجتمع. وأضافوا أن المفهوم الأساسي للمسؤولية الاجتماعية يشمل الاستفادة الدائمة للفئات المحتاجة من خلال الدعم الدائم والمستمر كبناء مراكز رياضية وتعليمية وتدريبية. ولفتوا إلى أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية يعد "سمة" اجتماعية نافعة برزت في العصر الحديث ووليدة العهد في الدول العربية، في وقت بدأ نشطاء ورجال أعمال وسيدات مجتمع في إبراز الدور، الذي لا بد وأن يكون عليه المجتمع نحو أفراده. العمل الخيري "غير" من جهتها، انتقدت عميد كلية إدارة الأعمال بجدة الدكتورة نادية باعشن مشاركة بعض الشركات الخاصة وتهافتها على الرعاية الإعلامية لبعض المؤتمرات، مؤكدة أن المسؤولية الاجتماعية تبتعد كثيرا عن العمل الخيري كالمساعدة في العلاج، مشيرة إلى أنها تعني الديمومة بالمسؤولية، مطالبة بتفعيل دور القطاع الخاص في تنمية المجتمع بسبل متنوعة كالمشاركة في بناء المستشفيات والمدارس. وألمحت إلى استجابة بعض الشركات لتنفيذ المسؤولية الاجتماعية بمفهومها الصحيح، كبناء مدارس تخص فئة بعينها في الأحياء الفقيرة. عطاء مستمر وأيدها الرأي الباحث في مجال المسؤولية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية الرمضي العنزي، مؤكدا أن الهدف من مشاركات بعض الشركات في الفعاليات المجتمعية ربحي، ويعرف مسمى المسؤولية الاجتماعية بأنها الدور الذي يقوم به القطاع الخاص نحو المجتمع متمثلا في العطاء غير المشروط والمستدام والذي لا يحدده نمط معين ويكون بأشكال مختلفة يتبع نشاطات الشركات وبرامجها. وذكر أن منها الثقافة المرورية والتوعية المدرسية والتدريب الخاص بتوطين الوظائف، مضيفا: "يختلف هذا عن دفع الزكاة"، لافتا إلى أن الجمعيات الخيرية لا تزال ينقصها التنظيم حيث تستمر في دفع المعونات من دون أن تقوم بتأهيل المدعومين من الفقراء للاعتماد على أنفسهم وتدريبهم للعمل كي يستغنوا عن تلقي المعونات. وأشار العنزي إلى أن البرامج التي تقدمها الشركات الخاصة تفتقد لتحديد الأولويات وعدم تحديد المفهوم بالتفريق بين الزكاة والعمل الخيري، لافتا إلى أن بعض رجال الأعمال يقدمون كسوة العيد أو الشنطة المدرسية ويعتبرها من نطاق المسؤولية الاجتماعية وهذا يختلف كثيرا عنها. تنظيم مفقود وأكد وجود تضارب بين القطاعات في فهم المعنى الصحيح للمسؤولية الاجتماعية، مطالبا بتحديد قواعد محددة يجتمع تحتها كافة الراغبين في المشاركة على أن تكفل تلك الجهة المساهمة في بناء المجتمع بشكل منظم ودائم. واستشهد الرميضي ببعض البنوك التي تلجأ لتنفيذ برامج غير مستدامة في وقت تجمع ملايين الأرباح من عملائها، وقال إن الشركات الخاصة لا تقيس برامج المسؤولية وعليها تفعيلها بالتدريب والتوطين وتشاركها الجهات الحكومية كالشؤون الاجتماعية ووزارة التجارة والغرف التجارية. وأضاف أن من أهم المطالب الاستفادة العائدة على الفئة الضعيفة في المجتمع من البرامج التي تطلقها الشركات لافتا أن النسبة التي تشارك في الحراك المجتمعي مخجلة ولا تتجاوز 4% حسب دراسة قدمتها "تمكين". ولفت إلى أن تلك النسبة تتمثل في مشاركة شركات كبرى كأرامكو وعبداللطيف جميل ومشاركة البنك الأهلي مقابل 16 بنكا تتربح من عملاء المملكة من المواطنين والمقيمين. تنسيق بين الجهات الداعمة أما الكاتب جمال بنون، منظم مشروع "لعبة لكل يتيم"، فيشير إلى أن المسؤولية الاجتماعية مفهوم حديث على مجتمعنا، ويختلف كثيرا عما يقدمه رجال الأعمال وأصحاب الشركات لمصلحة الزكاة ومما يخرجونه سنويا من مال وهو ما يعتبر كقيمة تستقطع من الأرباح. وأضاف أن البعض يخلط بينها وبين الجانب المجتمعي نحو مسؤوليته وقد يربطها بالمساهمات الخيرية كجزء من المسؤولية، مطالبا بأن تسمح مصلحة الزكاة بترك 30% من أرباح الشركات الخاصة على أن تنفق في فعاليات وبرامج المسؤولية الاجتماعية، داعيا إلى وجود جهاز خاص يربط بين الجهات الداعمة للمسؤولية الاجتماعية. وبين أن المسؤولية الاجتماعية بدأت قبل 5 سنوات، مشيرا إلى أنها تشبه في شكلها نوعا من الترابط الاجتماعي بين طبقات المجتمع المختلفة، حيث تساهم في التزام الفرد والمشاركين في برامجها بواجبهم نحو المجتمع. دعاية مقنعة فيما تؤكد الرئيس التنفيذي لشركة تمكين للحلول المستدامة الدكتورة آسيا آل الشيخ على ضرورة مساهمة الشركات الخاصة في حل مشكلات المجتمع، التي تختلف كثيرا عن العمل الخيري المتقطع، مطالبة بأن تخرج المسؤولية الاجتماعية نحو الوطن من داخل الشركات الخاصة، مشيرة إلى أن منها المبادرة بضمان حقوق العاملين وتلبية رغبات الموظفين فيها بإطلاق برامج تدفع للانتماء لها. وألمحت آل الشيخ إلى أن بعض الشركات تطلق منتديات أو مؤتمرات بدعوى المسؤولية الاجتماعية، مشيرة إلى أن الأموال التي تدفع فيها لا تذهب تجاه المسؤولية الاجتماعية بقدر ما تكون دعاية مقنعة لها. ترسيخ لمفهوم خاطئ ودعت آل الشيخ الشركات الخاصة إلى أن تنظر نظرة بعيدة المدى للاستفادة من تحقيق برامجها، معطية مثالا لإحدى الشركات التي أنشأت مخابز في أحد الأحياء الفقيرة بإحدى الدول الأوروبية، ومنها بدأ يذاع صيتها الخيري في المسؤولية الاجتماعية نحو المجتمع الفقير، واستطاعت الشركة أن تحقق نجاحا ضخما من دون الإسراف في الدعايات المدفوعة. وذكرت أن من أهم التحديات التي تواجه الشركات هو انشغال المهتمين فيها بمحاولة تفسير المصطلح بدلا من التركيز على السبيل الأفضل لتطبيقه، مضيفة أن المسؤولية الاجتماعية تعنى بالتنمية المستدامة من خلال تمكين المجتمع "الفرد، القطاع العام، القطاع الخاص"، من النمو وبحسب احتياجات الأجيال القادمة "اقتصاديا، واجتماعيا، وبيئا" وليكون العمل فيها مؤسسا ويعود بالفائدة القصوى على المجتمع. وشددت آل الشيخ على ضرورة توفر الاستراتيجية اللازمة للشركات الخاصة، التي يقاس من خلالها انعكاس خطط الأقسام ومتابعتها وقياس عمل المستفيدين من برامج المسؤولية والعائد منها، كقياس تقليل نسبة البطالة، ومعالجة المياه ومرض السكري والفقر في الأحياء العشوائية. معوقات مجتمعية وعن معوقات تنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية، يوضح رئيس الجمعية التعاونية للتدريب والدراسات الاستشارية ورئيس لجنة المسؤولية الاجتماعية بالغرفة التجارية بالمدينة المنورة صالح النجار أن رجال الأعمال تنقصهم المعرفة ببرامج المسؤولية الاجتماعية الواضحة، لافتا إلى أن البعض منهم يصنفها بالإحسان للفقراء ببذل العطاء للجمعيات الخيرية، لافتا إلى أن فعالياتها تفتقد إلى آلية التحفيز والتنظيم. وبين النجار أن الغرف التجارية طالبت بإنشاء وحدات متخصصة لخدمة المجتمع تشمل تنظيم أداء الأعمال المرتبطة بالمسؤولية الاجتماعية، مؤكدا أن المساهمة التي يقدمها القطاع الخاص وحتى اللحظة ضعيفة وغير مستديمة. وطالب الجهات المختصة بوضع خطط للمساهمة الفعلية وسد الفجوة التي تقع بين القطاع الخاص وغيره من القطاعات، ومنها أن يقوم رجال الأعمال بتنظيم برامج مفيدة للمجتمع، كالتعريف بمرض السرطان والسكري والقلب وأضرار الزواج من الأقارب.