من الثابت أن غالبية العرب لا يتقنون التعامل مع السياسة الدولية فهم دائما ضحاياها! وإذا استعرضنا التاريخ العربي للمئة سنة الفائتة، نجدهم فعلا ضحايا للسياسات الدولية، والسبب الرئيسي لهذا الواقع المحزن، هو أنهم لا يتقنون التعامل مع اللعبة السياسية الدولية، على الرغم من امتلاكهم للكثير من الأوراق، التي لو أنهم تخلّصوا من تناقضاتهم الشرسة، ونعرتهم الأشد ظلما لبعضهم، وبأسهم الشديد فيما بينهم، لكانوا في وضع أفضل بكثير، أو على الأقل أفضل من وضعهم الحالي، ولن أدخل في سرد تاريخي يرصد فشلهم وضياعهم طوال ما فات من السنين!، لكن مسار الأحداث والتخبط الأعمى في التعامل مع التداعيات التي أعقبت الربيع العربي، يُظهر بجلاء عدم تخلي معظم العرب عن سياسة اللا سياسة في التعامل مع وجودهم وكيانهم ومصالحهم على المسرح الدولي، بل أنهم ساهموا من خلال نظرتهم الضيقة جدا في إكساب غيرهم مراكز سياسية لم يكونوا ليحلموا بها لو أن جيرانهم غير العرب، فمعطيات الانقسام العربي والانجرار وراء أحقاد شخصية وتصفية حسابات تغذيها نعرات الجاهلية الأولى، لطالما حكمت الكثير من الصراعات بين الأشقاء العرب، ودائما كان المستفيد من نتائج هذه الغوغاء هم غير العرب، فمثلا نتائج حرب الخليج الثانية، أكسبت إيران مركزا متفوقا في السياسة الدولية، واستطاعت أن تحقق نتائج كبيرة تصب في مصلحتها، وبرزت كلاعب رئيسي على مسرح الشرق الأوسط لا يمكن تجاهله، كذلك فإن تجيير الصراع العربي الإسرائيلي لحساب هذه النزعات واستغلاله في سياق سباق الزعامة بين الدول العربية، أكسب إيران أيضا مكاسب جعلتها شريكا في القضية الفلسطينية، واستفادت من هذه الشراكة الكثير، في المقابل فإن إسرائيل أيضا حققت مكاسب كثيرة نتيجة رداءة السياسة العربية في التعامل مع قضية فلسطين، واستطاعت أن تحقق ما لم تحققه الحرب في تمييع وتسويف قضية فلسطين!. واليوم وبعد أن شاهدنا كيفية تعاطي الكثير من الدول العربية مع الربيع العربي، وكيف حولته إلى لعبة سياسية قذرة، تستغلها انطلاقا من سياسة ومعطيات لم تختلف، ولم تخرج عن إطار سياسة اللا سياسة، التي تعوّد معظم العرب على اتّباعها، ولن يزيد هذا النهج العنتري الجاهلي المصائب إلا مصائب أكبر، ولن يُنتج إلا مزيدا من المكاسب التي سوف تصب في صالح طرفي دائرة الصراع الإقليمي وسباق الهيمنة، وهما إيران وإسرائيل. كل عام والسياسة الدولية ونعرة العرب بألف خير.