اعتدنا هنا في المملكة أنه حين يظهر تقصير أو خلل في أيّ دائرة حكوميّة يهبّ المسؤولون فيها هبّة رجل واحد (لإنكار) ذلك التّقصير أو الخلل، أو تبريره في أقل الأحوال! ولكن هناك استثناء واحدا ووحيدا وهو وزارة التّربية والتّعليم فهي الوحيدة الّتي لا تدافع عن منسوبيها أبداً، وأخصّ بالذّكر (المعلّمين)، حتى أصبح نقد (المعلّمين) المقال الأسهل لكل كاتب يخذله فكره! فحين يُضرب طالب في إحدى المدارس نفاجأ بصوره والتّقارير الطبية عن حالته تملأ كل الصّحف مصحوبة بلغة (تعميميّة) ظالمة تجاه كل المعلّمين وعبارات التهديد والوعيد من مسؤولي الوزارة، وهو ما شجّع بعض أولياء الأمور للذّهاب للمدارس ومحاولة الاعتداء على المعلّمين. بينما حين يحدث اعتداء على معلّم في بعض المدارس، أو تكسير سيارات المعلّمين في مدارس أخرى، لا نرى للوزارة أيّ حضور، أو رأي، أو تدخّل في الموضوع، وهو عكس ما يحدث تماما في وزارة الصّحّة (على سبيل المثال) فإنّ أيّ تلفّظ بسيط على طبيب أو موظّف تصل عقوبته للسجن أو الجلد على الفاعل، حتّى ولو كان الفاعل أحد طلاّب المدارس! بل إن من يتابع لغة وزارة التّربية تجاه المطالبين من المعلّمين بالمستويات وفروقاتها يلمس بوضوح هذه الحقيقة. وأخيرا ها هي تحاول بكل السّبل تقليص إجازات المعلّمين! قد يرى بعض أن هذه شفافيّة تحسب للوزارة، وقد يقول قائل ليت كل الوزارات تفعل مثلها، ولهؤلاء أقول مهلا مهلا. فأنا لا أنكر أن المجتمع المدرسي فيه تقصير وفيه تجاوزات وخاصّة من (بعض) المعلّمين، كما لا أنكر حساسيّة المهنة كونها تتعلّق بتربية الأجيال المقبلة، بل من أجل ذلك نحن لا نطالب بالتّستّر على السّلبيّات، بل ندعو ونطالب بمعالجة أيّ قصور أو خلل ولكن.. بالكلمة الطيّبة واللّغة الرّاقية المهذّبة وبعدم التّعميم في النّقد. نطالب الوزارة بالدّفاع عن المعلّمين أمام المجتمع وأمام الإعلام بالذّات، ثم معالجة الأخطاء والسّلبيّات بشكل داخلي وجدّي في الوقت نفسه، إذا كان الهدف (فعلاً) الإصلاح. أمّا إذا كان الهدف التّشهير فهذا أمر آخر. فهناك فرق كبير بين (الشّفافيّة.. والتّشهير)، إن من أعجب تناقضات وزارتنا أنّها تطالب المعلّم بحسن التّعامل مع الطّالب والتّقرّب إليه والحوار معه ومراعاة مشاعره باعتبار أن الطّالب (إنسان-طالب) وليس (طالبا-إنسانا) وهو أمر جميل وواقعي. لكن لماذا الوزارة لا تتعامل مع المعلّم بالأسلوب نفسه، علماً بأنّ المعلّم أيضاً (إنسان-معلّم) وليس (معلّما-إنسانا). حقّا إنّ وزارتنا أُمّ غير رؤوم.