في الوقت الذي تسعى فيه المملكة لإنشاء قطاع اقتصادي متكامل في الطاقة الشمسية ضمن إطار منظومة الطاقة البديلة والمتجددة، ومع قرب تطبيق استراتيجية منظومة الطاقة المتجددة بالمملكة والمتوقع بدء العمل بها مطلع عام 2013، تتجه أنظار شركات عالمية ومحلية للمشاركة في إنشاء وتطوير مشاريع الطاقة الشمسية، المتوقع وصول حجم استثماراتها 400 مليار ريال خلال ال20 عاماً القادمة. وتأتي هذه التوقعات بعد أن وضعت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة دراسات متمكنة ودراسات تفصيلية لتمكين المملكة من خلق هذا القطاع، إذ تستهدف استراتيجية منظومة الطاقة المتجددة تخصيص 80% من القيم المضافة لصناعة الطاقة الشمسية للإنتاج المحلي، إلا أن آراء الاقتصاديين والمحللين تراوحت بين مشجع متفاءل، وآخر محذر من الفشل في خلق قطاع متكامل للطاقة الشمسية، داعياً إلى مراجعة التجارب السابقة وعمل دراسات أكثر جدية للتأكد من نجاح التوجه. ففي حين يعتبر الرئيس التنفيذي لشركة أنظمة الطاقة الشمسية الوطنية المهندس عبد الهادي المريح أن استراتيجية منظومة الطاقة المتجددة بالمملكة، بعيدة المدى وثلاثية الأبعاد، مبيناً أنها ستعزز أمن الطاقة العالمي، يرى الخبير في شؤون الطاقة الدكتور راشد أبانمي أنه من الواجب أن يكون هناك حذر في تطبيق الاستراتيجية، معتبراً أن الاستثمار في الطاقة البديلة لم يثبت جدواه عالمياً، إذ يستهلك أموالا طائلة جداً، مضيفاً أنه من المفترض، وقبل دخول المملكة في هذا المجال، مراجعة البرنامج الذي أقر قبل 20 عاماً، وهو "القرية الشمسية"، الذي أنشأته المملكة بالعيينة، واستهلك أموالا باهظة، دون فائدة تذكر. المهندس عبد الهادي المريح قال ل"الوطن"، إن استراتيجية منظومة الطاقة المتجددة بالمملكة ستعزز أمن الطاقة العالمي، حيث ستقوم بخفض الاعتماد على البترول للإنتاج الكهربائي المحلي مما سيمكن من زيادة التصدير وتلبية الطلب العالمي المتزايد على البترول. وأضاف أنها سترفع دخل الدولة من خلال بيع البترول بالسعر العالمي والمتوقع ارتفاعه بدلا من تحويله لمحطات الإنتاج الكهربائي بسعر لا يكاد يذكر، وكذلك هذه الاستراتيجية ستخلق صناعة ضخمة ذات قيمة تكنولوجية في المملكة بما يصاحبها من إنعاش للاقتصاد المحلي وخلق الفرص الوظيفية، وكذلك عوائد مالية جيدة على المدى الطويل. وذكر المريح أن الاستراتيجية ستؤمن المملكة من نضوب النفط نظريا، بحكم أن النفط يوفر طاقة غير متجددة تنتهي بنضوب النفط، ولكن لا تزال الاكتشافات البترولية مستمرة في المملكة بما حباها الله من المخزون الهائل. ومسألة نضوب النفط هي إشكالية عالمية وليست خاصة بالمملكة. مضيفاً: "هذه الاستراتيجية لو تم تبنيها من قبل دول العالم الأخرى ستحول بشكل كبير من هاجس نضوب الطاقة، والمملكة اعتادت أن تكون من أوائل الدول التي وضعت على عاتقها استمرار الإمداد العالمي من النفط". وتابع المريح أن من الطبيعي أن تكون هناك تحديات كبيرة ستواجه القائمين على الاستراتيجية، مستدركاً: "ولكن بحكم ما أراه من جهود جبارة تقوم بها مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والمتجددة أتوقع نجاح الاستراتيجية وتطبيقها على الأرض حسب الخطط المعدة لها". وقال المريح إن من أبرز التحديات بعد اتفاق جميع الأطراف المعنية على الآليات، توفير البيئة الاستثمارية والأنظمة المالية والقانونية في وقت قصير جدا، وكذلك عدم وجود الإمكانات المحلية الكافية لتنفيذ هذا الكم الهائل من المشاريع، حيث إن حجم الإنفاق المتوقع في أقل من عشرين عاما يساوي تقريبا ما تم إنجازه في العالم كله إلى الآن. واعتبر المريح أن الاستراتيجية ستواكب السعة الكهربائية مع الطلب المحلي، مشيراً إلى أن الطلب المحلي للكهرباء يقدر بنحو 8.5% ، وهو معدل عال جدا مقارنة بدول العالم الأخرى، مما يشكل تحديا كبيرا على القائمين بالإنتاج الكهربائي في المملكة، مضيفاً أنه من المؤكد أن تأتي هذه الاستراتيجية بفوائد كبيرة للفرد والمجتمع، من أبرزها توفير وظائف تقنية ومساندة لشريحة كبيرة من المواطنين. وتوقع المريح أن يبلغ حجم المشاريع التي تستوعبها المملكة للطاقة الشمسية حوالي 400 مليار ريال على مدى 20 عاما، مبيناً أن ذلك لا يمثل الاستثمارات المباشرة فقط. من جهته يرى الخبير في شؤون الطاقة الدكتور راشد أبانمي، أن من الواجب أن يكون هناك حذر في تطبيق الاستراتيجية، مشدداً على أنه من الأهمية بمكان وقبل دخول المملكة في هذا المجال، مراجعة البرنامج الذي أقر قبل 20 عاماً، وهو "القرية الشمسية"، الذي أنشأته المملكة بالعيينة، واستهلك أموالا باهظة، مضيفاً أن مشروع "القرية الشمسية" انتهى قبل بدايته، وأن أي تجربة قبل خوضها يجب أن تكتمل دراستها من جميع الجوانب، مشيراً إلى أنه مع ضخامة الموارد المالية، سيتم البدء بنفس التجربة دون معرفة أسباب فشل الدراسة الأولى. وهنا أشار أبانمي إلى أنه لم يتحقق في مسألة البدائل النفطية على المستوى العالمي أي تقدم يذكر، مضيفاً أن دخول المملكة في ذلك لن يقدم أو يؤخر، مضيفاً أن ما يتم استكشافه لن يتقدم على الدول المتقدمة تقنياً وعلمياً، مشيراً إلى أن رأس المال وحده لن يكفي في مثل هذا الأمر. ولفت أبانمي إلى وجود عوائق أساسية ستعيق سير الاستراتيجية، ذاكراً منها عدم وجود مقومات للبحوث العلمية الجادة، والتي لم تصل إلى الحد المناسب مقارنة بالدول الأخرى، بالإضافة إلى عدم وجود الشفافية الفعالة، مضيفاً أن مشروعا من هذا النوع سيكون له رأس مال كبير ويجب معرفة أين يصرف. وتوقع الدكتور أبانمي نجاح الاستراتيجية بنسبة أقل من 50%، مضيفاً أنه في حال تجسيد أمر بحثي على أمر الواقع سيتضمن نسبة فشل، مشيراً إلى أنه لا يمكن الدخول في هذه المشاريع قبل إثبات نجاح بحوثها. وبالعودة إلى المريح رجح أن يكون للشركات الأجنبية حصة الأسد من مشاريع الطاقة في المملكة، عازياً ذلك إلى محدودية قدرات وكفاءة الشركات المحلية مع بداية إطلاق هذه المشاريع، في حين من المتوقع أن يرتفع أداؤها تدريجياً خلال الأعوام المقبلة، مضيفاً أن الشركات المحلية سيكون لها فرص كبيرة على مستوى التطوير والتمويل. وأشار المريح إلى بروز أسواق منافسة للاستثمار في الطاقة الشمسية، مثل تركيا وجنوب أفريقيا، مؤكداً أن السوق السعودية تمتلك البيئة الاستثمارية الأكثر تشجيعاً وتميزاً، ولا سيما أن الأرقام التي تم الإعلان عنها من قبل مدينة الملك عبدالله في خطتها حتى عام 2032، تتضمن مشاريع طاقة شمسية كهروضوئية بواقع 16 جيجاوات، ومشاريع طاقة شمسية حرارية بواقع 25 جيجاوات، ومشاريع طاقة رياح بواقع 9 جيجاوات، ومشاريع طاقة متجددة أخرى بواقع 4 جيجاوات، ومشاريع طاقة نووية بواقع 17 جيجاوات. ومن المنتظر أن يؤدي توسع المملكة في إنشاء المحطات الشمسية، إلى إيجاد فرص عمل متعددة، في قطاعات التشغيل وصيانة المحطات، وتصنيع المعدات داخل المحطة، وكذلك الأعمال الهندسية الخاصة بالإنشاءات، إضافة إلى الخدمات المساندة والوظائف غير المباشرة، وهو ما سيكون داعما للاقتصاد الوطني، إذ من المتوقع أن يكون لكل وظيفة خمس وظائف غير مباشرة. وبحسب مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، فإن تكلفة إنشاء أي محطة لتوليد الطاقة من أشعة الشمس بسعة إنتاجية 100 ميجاوات، تبلغ نحو مليار ريال، في حين وضعت استراتيجية منظومة الطاقة المتجددة التي من المتوقع بدء تطبيقها قريباً، تصوراً لزيادة إنتاج المحطات الشمسية بنحو 2 جيجاوات سنوياً، الأمر الذي من شأنه إتاحة مرونة أكثر للتوسع في إنتاج الطاقة الشمسية. وتسعى حكومة المملكة من خلال إنشاء محطات الطاقة الشمسية، إلى سد الفجوة في الطلب المتزايد على الطاقة، حيث تشير إحصاءات هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج إلى أن هناك نموا على الطلب الكهربائي سيصل في عام 2030 إلى 120 ألف ميجاوات، في حين أن السعة الحالية في حدود 50 ألف ميجاوات، تنتج جميعها من البترول، إذ إن هناك فجوة تقدر ب 70 ألف ميجاوات، وهو الأمر الذي دفع المملكة للتوسع في استخدام الطاقة البديلة وإنشاء المحطات. وتشير التقديرات إلى أن إنتاج 700 كيلو وات من الطاقة الشمسية يكافئ برميلا من النفط، الأمر الذي يدعو للاستفادة من هذه التقنية وتطويرها خلال السنوات المقبلة، لتوفير براميل النفط التي تخصص بسعر مدعوم من الدولة يعادل 4 دولارات للبرميل الواحد، لتوليد الطاقة الكهربائية. إلى ذلك توقع تقرير "إرنست ويونغ" الخاص بجاذبية الطاقة المتجددة، أن تقود كل من السعودية والإمارات قطاع توليد الطاقة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مضيفاً أن الدولتين تجسدان باعتبارهما العضوين الجديدين في المؤشر الدولي لجاذبية الطاقة المتجددة، القدرات المتنامية لقطاع الطاقة النظيفة في المنطقة، في ظل إعلان صانعي القرار في البلدين بالفعل عن أهدافٍ طموحة على مستوى الطاقة المتجددة. وذكر التقرير أن منطقة الشرق الأوسط شهدت نمواً كبيراً في استهلاك الطاقة خلال الأعوام الخمسة الماضية، ليرتفع بنسبة 22% بين عامي 2007 و2011، ومن غير المتوقع أن يتباطأ استهلاك الطاقة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، في ظل توقعات نموٍ يزيد معدله عن 10% في الشرق الأوسط. وأضاف التقرير أن المملكة تتمتع بقدراتٍ جيّدة لتوليد طاقة الرياح، في ظل توفر رياح كاملة القوة لحوالي 4.9 ساعات في اليوم، حيث يعد هذا المعدل من أعلى المعدلات على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيراً إلى أنه بفضل الطاقة الشمسية ذات القدرة العالية التي تصل إلى حوالي 2550 كيلوواط ساعة لكل متر مربع في السنة، وتوفر الصحاري الخالية والشاسعة والقادرة على استضافة منظومات توليد الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى الترسبات الضخمة من الرمال الصافية والتي يمكن استخدامها في صناعة الخلايا الشمسية السيليكونية، تعد السعودية المكان المثالي لتوليد الطاقة الكهربائية الضوئية والطاقة الشمسية المركزة. وأشار التقرير إلى أن المملكة استطاعت الانضمام بسرعة إلى لائحة الأسواق التي يركز عليها المستثمرون ومزودو التقنية، في ظل إعلان حكومتها عن خطتها الطموحة بكلفة 109 مليارات دولار، لإنتاج 41 جيجاواط من الطاقة الشمسية و9 جيجاواط من طاقة الرياح بحلول عام 2032.