ارتبط مفهوم العنف في الأذهان، بتعنيف الرجل لزوجته، وربما لأنه الأكثر شيوعا، وتتعدد مظاهر العنف ليشمل الجانب الجسدي والنفسي، ولكن ملفات المحاكم تؤكد أن العنف يتم أحيانا بالعكس من جانب الزوجة، ويكون الضحية هو الزوج. قد يرى البعض أن ذلك غير قابل للتصديق وأقرب منه للطرافة، لأن الرجل هو الطرف الأقوى، ولكن الواقع يؤكد أن هناك أزواجا يتجرعون كؤوس المهانة من شريكات الحياة، ولكن يفضلون الصمت خوفاً من نظرات الشفقة الممزوجة بابتسامة عريضة وحاجب مرفوع. تقول "أم محمد" لم أكن أتصور يوما أن ولدي محمد حاد الطبع سيتحول بين ليلة وضحاها إلى رجل آخر، منقادا مطأطئ الرأس، لقد تحول من رجل يغار منه أبناء الجيران، إلى حمل وديع، والمؤلم ما علمته من أنه يتعرض للعنف من جانب زوجته، ولا أعلم كيف انقلبت الموازين. أما "أم خالد" فتضيف، "سمعت ذات يوم عن زوجة تضرب زوجها بالعقال، وكان ذلك بمثابة نكتة لا أكثر، ومرت الأيام لأشاهد بنفسي مشاجرة في وسط سوق شعبي، وعلى مرأى من الجميع زوجة تضرب زوجها بالعقال و"الشبشب". وفضلت "أم سعد" الرجوع إلى الوحدة في منزلها الخاص بعد فترة قضتها مع ابنها وزوجته، تقول "لم أعد أحتمل معاملة زوجة ابني لي، فليتها اكتفت بالتذمر والتقصير، ولكنها تعمدت إهانة ابنها سعد وتأليبه عليّ، وإيهامه بأنني أقيد حريتهما في المنزل، وحفاظاً على استقرار حياة سعد الزوجية قررت العيش بمفردي داعية له بحياة هانئة". وتعلق المستشارة بمجلس الشورى السعودي، والمديرة التنفيذية لبرنامج الأمان الأسري الوطني الدكتورة مها المنيف ل"الوطن"، أن النسبة المقدرة لتعنيف الأزواج لا تتجاوز ال5 % بينما وصلت في أميركا إلى 30 %، مضيفة أن التعنيف في المملكة اشتمل على 3 فئات: الأطفال، والنساء، والمسنين. وأضافت أن "من المطمئن أن حالات العنف ضد الرجل مازالت حالات استثنائية، ولا تصنف أبدا كظاهرة، مشيرة إلى نوع جديد من العنف تجاه الرجال، وهو العنف الذي يتعرض له المسن المتزوج بزوجة تصغره بسنين، وعادة ما يتعرض للتعنيف الجسدي أو اللفظي، أو الانتقاص. وأوضحت الدكتورة المنيف أن أشكال العنف ضد الرجل تتعدد سواء بالاعتداء بالضرب بالأيدي، أو الشتم، أو الانتقاص من قدره، أو مقاطعة أسرته، أو حرمانه من حقوقه الزوجية، وقد تصل أحيانا إلى القتل، وهناك من تكتفي بالتعامل مع المشعوذين والسحرة للسيطرة على الرجل سيطرة تامة، والأبشع من ذلك هناك من تنزلق في درب الخيانة، لتذيق الرجل مرارة لا يستطيع نسيانها ولا تمحى آثارها. وتابعت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمان الأسري الوطني أن "من المثير حقا أن المجتمعات المحافظة والمتصفة بالذكورية تفضل التواري خلف جدار الصمت، تجاهلاً لوجود تلك الحالات، وكأنها ثمرة خطيئة لروتين فكري اعتاد على وصف المرأة بالمظلومة. وأشارت أخصائية علم النفس سحر محمد في حديثها إلى "الوطن" أن استقلال الزوجة مادياً وخروجها إلى سوق العمل، ولد فيها شعوراً زائدا بالذات، فأصبحت تتبنى مبدأ التنافس، وترفض الوصاية ، بعد أن رأت أنها كيان مستقل عن سلطة الرجل المستبدة". وأضافت أن العنف الصادر من الزوجة تجاه الزوج قد يكون حدثاً عارضاً في لحظة انفعال، أو متكرراً ناتجا عن ترسبات نفسيه لزوجة عانت من الاستبداد في الصغر، لتجد في الانتقام لذّة، وغالباً ما يكون هذا السلوك المنافي للطبيعة غير مصحوب بندم أو جلد للذات".