إن قدر المملكة العربية السعودية أن تكون المنافح الأول عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية لعدة اعتبارات، أولا لمكانتها الدينية في نفوس المسلمين، ثانياً أنها مهد العروبة ومعقل تاريخها وتراثها الضارب في القدم، ثالثاً أن الله حباها كنوز الثروات الطبيعية لتسخرها لخدمة الإسلام والمسلمين، بل وإلى البشرية جمعاء طبقا لما يمليه ديننا الحنيف في إغاثة المنكوب ومساعدة المحتاج إلى يد العون. كل هذه الاعتبارات تحتم على المملكة أن تلعب دورا مهما في المشهد السياسي العالمي، خاصة في الوقت الراهن المليء بالاضطرابات والثورات، فالمملكة تمتلك كل مقومات القوة الناعمة ( soft power )، فهي على سبيل المثال تتميز بكبر حجم مساحتها الجغرافية، إذ تتوسط قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، كما تتوسط العالمين العربي والإسلامي. وهذا الموقع أعطاها إستراتيجية خاصة، بالذات في مجالي المواصلات والاتصالات بين دول وشعوب العالم، وعلاوة على ذلك فهي محاطة بأهم ثلاثة ممرات بحرية دولية، وهي مضيق هرمز عند مدخل الخليج العربي، ومضيق باب المندب، وقناة السويس من جهة البحر الأحمر، وهي أكبر منتج ومصدر للنفط، إضافة لكونها إحدى دول مجموعة العشرين الاقتصادية، والأهم من ذلك كله احتضانها للمقدسات الإسلامية. ومع كل ما سبق ينبغي استخدام هذه المقومات الاستخدام الأمثل الذي يصنع منها قوة مؤثرة على المستويين الإقليمي والعالمي رغم تمتعها بحضور مهم على مستوى المشهدين السياسي والاقتصادي، إلا أن العالم العربي والإسلامي يمر الآن بأزمات أثرت على مفاصل الحياة في تلك البلدان، مما أفرز جملة من العلل والمشاكل، مثل البطالة والفقر والإرهاب، وغيرها من المشاكل الكبرى كنتيجة لغياب الإستراتيجية الواضحة لإنجاز الخطط التنموية القادرة على معالجة تلك المشاكل أو الحد منها في دول العالم العربي والإسلامي، وهي تُعتبر عوامل مؤثرة إذا ما وضعنا في الاعتبار التقارب الجغرافي بين تلك الدول وبين بلادنا، لذا لابد للمملكة من توظيف قوتها الناعمة بدءا بمحيطها الإقليمي، نظرا لما يكتنفه من اضطرابات سياسية واقتصادية مزمنة، فالمملكة، كما ذكرت سابقا، تمتلك من مقومات القوة الناعمة ما يؤهلها لأن تلعب دورا ريادياً، ليس على المستوى الإقليمي فحسب، بل أيضا على المستوى العالمي. المملكة استطاعت خلال العقود الماضية أن توظف هذه القوة الناعمة (توظيفا جزئيا) وتحقق من خلالها بعض الأهداف الحيوية لمصالحها الخارجية، خاصة في القارة الأفريقية وبعض الدول الآسيوية الفقيرة، حيث كان التوجه الدعوي في تلك الدول في أوج نشاطه من خلال إرسال الدعاة وتقديم المساعدات المالية مما ساعد المملكة أن تكسب أصوات هذه الدول في المحافل الدولية لخدمة مصالح الأمتين العربية والإسلامية، لكن المرحلة الحالية تحتاج إلى المزيد من التوسع والدعم والإنفاق، فهناك العديد من الأقليات المسلمة في الدول الغربية التي لا تجد دعما ومساندة، فهي لو جدت الدعم المادي والمعنوي لأصبحت قادرة على لعب دور مؤثر في مجتمعاتها، وهذا سيعود بطبيعة الحال على المملكة بفوائد جمة، منها تقارب وجهات النظر بين المملكة وتلك الدول فيما يتعلق بقضايا الأمة العربية والإسلامية، ويعزز من مكانة المملكة السياسية في المحافل الدولية، وسيمتد نفوذها تلقائيا إلى أبعد نقطة في العالم المترامي الأطراف. أما فيما يتعلق بالمنظمات الدولية، فالمملكة عضو مؤثر في جميع المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، ومن أكثر الدول تقديما للمساهمات المادية، بل ومن أوائل الدول وأسرعها سدادا لحصصها في هذه المنظمات، إلا أنه يجب بذل المزيد من الجهود اللازمة لتعيين كفاءات سعودية داخل هذه المنظمات لتخدم مصالح المملكة من خلال التأثير المباشر وغير المباشر على التوجهات العامة لتلك المنظمات. أما في المجال الإعلامي، فلا يزال الإعلام السعودي يحتاج إلى أن يواكب حجم الطموحات الكبيرة في لعب دور مؤثر على المدى المتوسط والبعيد، التي يمكن أن تحدث التأثير المطلوب منها على الشعوب الأخرى، لذلك لا بد من إيجاد خبرات متمرسة قادرة على الإسهام في صياغة خطاب إعلامي مؤثر يكون موجهاً بالدرجة الأولى لمخاطبة شعوب العالم الغربي الذين يحملون في أذهانهم صوراً مغلوطة عن المملكة على غرار الدبلوماسية الشعبية الأميركية أو ما يعرف ب ( Public Diplomacy )، وذلك من خلال إطلاق قنوات فضائية بعدة لغات أجنبية تحت إشراف خبراء متخصصين في إدارة الحملات الإعلامية. أما على الصعيد الدبلوماسي، فإن من أهم المهام التي يجب أن يضطلع بها الدبلوماسي السعودي كيفية إدارة حملات التوعية الإعلامية، خاصة فيما يتعلق بالحملات الذهنية والإقناعية لما لهما من دور في تحسين صورة المملكة خارجيا، وهذا يتطلب جهدا كبيرا من أعضاء البعثة الدبلوماسية السعودية. فعلى سبيل المثال دائما ما تُوجه للمملكة جملة من الاتهامات والإدانات الإعلامية، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لما لها من إرهاصات سلبية انعكست على الصورة العامة للمملكة في عيون العالم الغربي، وللأسف الشديد لم يكن لأغلب السفارات أي حضور إعلامي يفند ويدحض هذه الافتراءات باستثناء السفارة السعودية في واشنطن التي تحملت العبء الأكبر من هذه الحملات الموجهة، نظرا لقدرات أعضائها المميزة في هذا، ما عداها كانت هناك جهود مبذولة إلا أنها لا ترتقي للمستوى المأمول لإبراز الوجه الحضاري الحقيقي للمملكة العربية السعودية، لذلك لا بد أن تضع الخارجية السعودية في اعتبارها قبل إرسال مبعوثيها إلى الخارج التحاقهم بدورات ذات أهداف محددة تخدم التوجهات العامة لسياسة المملكة وتركز على التالي: - إعداد دورات خاصة للدبلوماسيين للتعرف على كيفية التصدي للحملات الإعلامية الموجهة ضد المملكة. - تطوير الأقسام الإعلامية بالسفارة من خلال جلب المستشارين الإعلاميين ذوي الخبرات العريقة. - إقامة الأنشطة الإعلامية بمختلف أشكالها في الدولة الموفد إليها وتوفير الإمكانات اللازمة لرعاية التظاهرات الثقافية في البلد الموفد إليه. - توجيه الدعوات للإعلاميين والمثقفين في البلد المضيف للبعثة السعودية لكي يتسنى للدبلوماسيين السعوديين فرصة الاحتكاك المباشر بهم وعقد صداقات من الممكن أن تعود بفائدة كبيرة على المملكة.