بعد أن ينهي "الطبان" صرم وقطع التمر من رؤوس النخل وانتهائه منها تماما، يصعد إلى أعلى نخلة لينادي بصوت عال: "البيضا ل"آل فلان" ويقصد أن الفلاح قد استوفى حقوقه كاملة من التمر والأجرة، وهو راض ولا يطالبهم بأي شي. تلك صورة لعادة اجتماعية لها عرف مكتوب أحيانا، يعلق في مكان بارز، كمنتج ثقافي أفرزته أعراف "السقاية" في نجران. كما غيرها من المجتمعات البشرية تسود في منطقة نجران عادات وتقاليد تعبر عن البعد الاجتماعي (السسيولوجي) لثقافة يتوارثها أهالي المنطقة، بعد أن تكون قد شكلت حياتهم العامة وفقا لعادات (قوانين) تنظيمية تحفظ لهم حقوقهم، وتبرز عنوانا مهما كقيم ثقافية. (الأسواق، والفروق، والرفدة، والنحل، والمنصد، والورد، والنوب، والنخل، غيرها)، هي مفردات تعبر عن هذه القيم، ووفقا لرئيس فرع هيئة السياحة والآثار في منطقة نجران صالح آل مريح، فإن هذه القيم ضبطت الحياة العامة في منطقة نجران، وضمنت لها سريان الحقوق والواجبات بين الأهالي لحقبة من الزمن، كما في قانون الأسواق السائد في المنطقة من تاريخ بعيد، وهو الذي قسم على أيام الأسبوع: الخميس، والجمعة، والسبت، والأحد، وكان طبقا لسياقات تلك المرحلة وسيادة هذا النمط من الثقافة في الريف، كل يوم يكون السوق تحت حماية قبيلة معينة تشرف عليه مباشرة، وتمارس التدقيق في المبيعات وتمنع الممارسات الخاطئة كالتطفيف والغش. يتعمق أكثر آل مريح فيشير إلى قيم تتعلق بالحياة اليومية للأسرة النجرانية، مثل "الفروق"، التي تتمثل في جمع ثمار غالبا ما تكون تمرا، وتمنح للمحتاجين من الأسر، وتحقق هذه القيمة متانة في التكافل الاجتماعي، ولا تقل قيمة "الرفدة" جمالا عن سابقتها، وهي عادة تعنى بمساعدة المحتاج والمديون. ولفت آل مريح إلى أن نجران تشتهر أيضا بما يعرف بعادة "النحل" وهي من العادات الاجتماعية التي تؤصر الروابط بين أبناء المجتمع والعائلة، وفيها يقدم الشخص ما يملك من نفيس ماله للمولود الذي يطلق عليه اسمه، فتكون هذه الأموال ملكا له بعد وفاة الذي قدمها له، وعادة ما تقدم مثل هذه الأموال من الجد للحفيدة. أما "المنصد" فهي عادة محمودة لدى الأهالي في منطقة نجران حيث يتنازل بعضهم لبعض عن الكثير من القضايا المعلقة كالقتل والطعن للإبل والخيل، وسائر الممتلكات ويتعاون الناس في دفع ما يترتب على الشخص أو القبيلة المحقوقة جراء هذا التنازل ويذهبون بالذبائح إلى بيت المعتدى عليه فردا أو قبيلة وتأدية بعض الأشعار بلون الزامل، ويتقدمهم كبير القوم أو مجموعة ليطلب العفو والسماح وتحمل كل ما يطلب منهم. وتتعدد أعراف السقاية والزراعة في نجران، فمنها "الورد" وهو ما يحدد توقيت سقيا الأنعام، وعادة ما تجتمع القبائل وتضع حدودا ومواقيت للسقيا كل يوم، ليضمن الجميع أن تشرب كل قطعان القبائل في الأيام المخصصة لها. وبرز من أعراف السقيا "النوب" وهو تخطيط تفصيلي لمدة تناوب القبائل في ورود المياه للمزارع.