أكد أستاذ اللغات الشرقية وآدابها الدكتور سمير عبدالحميد إبراهيم أن الجزيرة العربية ظلت منبع إبداع أدباء الأوردية الذين شغفوا بالكتابة عن منبع الوحي وعن الحرمين الشريفين، وظهرت كتابات ومؤلفات عديدة عن جزيرة العرب بعضها علمي وآخر أدبي، لافتا إلى أن منطقة الحرمين ألهمت الشعراء الكثير من أفكارهم بل وأشعارهم، حيث كانت الأراضي المقدسة وستظل محط أنظار مسلمي شبه القارة الهندية، كما كان لغلبة العاطفة الدينية لدى مسلمي شبه القارة أعظم الأثر في الارتحال إلى الجزيرة العربية لأداء فريضة الحج والعمرة أو الإقامة الموقتة لفترات طويلة أو حتى الإقامة الدائمة، مع الأخذ في الاعتبار أنه مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي اعتبر المسلمون في الهند بلادهم "دار حرب" فكان على المسلمين في الهند أن يجاهدوا لتحرير بلادهم من الاستعمار البريطاني من ناحية، وأن يجدوا لهم متنفسا خارج الهند من ناحية أخرى، فكانت أرض الحرمين ميدانا مناسبا لهم ولكل مسلمي العالم، فهي أرض مقدسة لم تخضع لأي نفوذ أجنبي غير مسلم، كما أن منطقة الحرمين كانت تعج بالعلماء من جميع أنحاء البلاد الإسلامية، مما أوجد بيئة مناسبة للمهاجرين القادمين من الهند. ويتوقف الدكتور سمير عند مسألة: أن الأدباء سطروا ذكريات أسفارهم، وعبروا عن مشاعرهم نثرا، لكن الملاحظ أن الأدباء إذا ما طغت عليهم المشاعر الجياشة، اتجهوا إلى الشعر بدلا من النثر، وهكذا وردت الأشعار المؤثرة داخل الرحلة إلى الأراضي المقدسة، واستشهد الكتاب بأشعار، ضمنوها رحلاتهم، كما أن بعض الأدباء فضلوا أن يعبروا عن مشاعرهم نثرا ثم شعرا، وهذا ما قام به خطيب قادر بادشاه الذي كتب رحلته أولا نثرا ثم عاد فنظمها شعرا، وصدرت بعنوان "سفر حجاز" أي الرحلة الحجازية. ويتابع الدكتور سمير قائلا: ركز الأديب على المشاعر الدينية ووصف دخوله مكةالمكرمة ووقوفه بعرفات مستخدما في ذلك بحورا وقوافي تتناسب مع كل مناسبة، جاء في بداية الرحلة: "نمضي هذه الأيام صوب الكعبة المشرفة نلبي دعوة الحق أين نحن من هذه النعمة العظمى ما أسعدنا بحظنا وما أسعدنا بنصيبنا". وفي السياق نفسه يشير الدكتور سمير إلى أنه في سنة (1368ه / 1948م) نظم مولانا ضياء القادري بديواني رحلته إلى الأراضي المقدسة بعنوان "ديار نبي" وكان قد أدى فريضة الحج عام 1368ه، وتمتاز الرحلة المنظومة بالتلقائية وقوة المشاعر، يصف الشاعر وصوله إلى يلملم وهي ميقات أهل شبه القارة الهندية: "دبت الروح في الجسد وأسر عن الأنفاس في الصدر وعم السرور جميع الأنحاء فها هي يلملم تظهر في الفضاء بث رداء الإحرام الروح في كل جسد وعمت الفرحة، وعمت السعادة والغبطة والهناء جماعة الأحباب والأصدقاء". وبعد طواف الوداع مضى الشاعر مخلفا الكعبة المشرفة وراءه: "أتطلع إلى البيت الحرام بعيون الفراق يعتصرني الحزن والألم فقد انتهى العناق كان ذهابي وكانت عودتي كلاهما وقفا على كرمك يا إلهي أنت مولاي تفعل ما تشاء". ولفت الدكتور سمير إلى أن الإسلام حث على السفر والسياحة في الأرض طلبا للعلم والمعرفة والتفقه في الدين، وهكذا شكل السفر تراثا يتصل بالتاريخ الإسلامي، وكان للحج أثر واضح في تشجيع السفر والرحلة، ويضيف موضحا: كثيرا ما كان أداء فريضة الحج نقطة انطلاق للرحالة الحاج، يندفع بعدها للسفر في البلاد المختلفة، وقد يسافر إلى وجهة أخرى ثم يعرج بعد ذلك على الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، مثلما فعل "مولوي علوي" الذي سافر إلى إنجلترا في رجب 1272ه / 1856م حيث قضى هناك سبع سنوات وعاد بعدها إلى وطنه مرورا بالأراضي المقدسة وقال "أردت أن أذهب أنا المفلس إلى مكة المعظمة، لأن ما أصابني في إنجلترا لا يمكن أن أطهره إلا بماء زمزم، رغم أن عقيدتي لم يصبها أي نجس في لندن". ويكشف الدكتور سمير ل"الوطن" أن أهل شبه القارة الهندية يعشقون الشعر ومجالسه، وقد اتخذوا من تجمعهم في الحج فرصة للقاء معا بعد أداء فريضة الحج، وعقد محافل يتبادلون فيها قول الشعر، يطلق عليها "مشاعرة" يتبادل فيها الشعراء قول الشعر على قافية واحدة. ويصل الدكتور سمير إلى التأكيد على تأثير الحج في الأدب الأوردي، وإثرائه بالكلمات والتعبيرات الجديدة، بالإضافة إلى استخدام الشعراء لمصطلحات الحج، ويستشهد بما ورد في أشعار محمد إقبال (حاشية) الذي استحدث مصطلحا جديدا، هو تهذيب حجازي بمعنى الحضارة الحجازية، مقابل تهذيب معرب بمعنى الحضارة العربية.