ممتهنو "حج البدل"، أشخاص يسابقون مواسم الحج، هدفهم الكسب المادي على حساب مخالفة النظام، وافتراش الطرقات في المشاعر المقدسة، وعرقلة حركة الحشود، ليؤدوا فريضة الحج عن غيرهم بأجور مدفوعة، تتفاوت أسعارها وفق اتفاقات محددة بين الموكل والقائم بالحج. وعادة ما تنشط تحركات ممارسي هذه المهنة قبيل موسم الحج، عبر إعلانات مكتوبة تعلق على أعمدة الإنارة وبوابات المحال التجارية في الشوارع والطرقات، بل وصل الحال بهم إلى الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسط مطالب من مهتمين ومختصين بتقنين هذه الظاهرة التي أخرجها بعض ممتهنيها عن أهدافها وأنظمة الحج التي أقرتها الدولة. حجاج "البدل" "الوطن" أجرت اتصالا بأحد الأرقام التي انتشرت عبر إعلانات مكتوبة في أحد الشوارع، ليرد شخص يدعى "أبو محمد" موضحا بأنه من جنسية عربية ويعمل مزارعا في منطقة القصيم، ويمتهن أداء فريضة الحج عن الأموات في كل عام، بعد أن يقوم أبناؤهم بالاتصال به وعقد اتفاق مسبق معه على مبالغ مالية تصل في بعض الأحيان إلى 20 ألف ريال، وأكد أنه يقوم بأداء الفريضة دون الحصول على تصريح من الجوازات للدخول المشاعر المقدسة، بل اعتاد الدخول مع مجموعة آخرين يؤدون فريضة الحج بالإنابة "حج البدل" دون حصولهم على تصاريح للحج. أما "علي المكاوي"، فهو مواطن سعودي، عمره يبلغ 30 عاما، نشر في أحد المواقع الإلكترونية إعلانا قال فيه "من يريد توكيلي للحج عن والده أو والدته أو قريبه، فأنا جاهز، وبمبلغ 25 ألف ريال"، طالبا من الراغبين في توكيله التواصل معه عبر نفس الموقع، وبعد التواصل معه، رفض كشف هويته أو اسمه الكامل، مكتفيا بقوله "إنني شاب عاطل عن العمل، لم أتزوج بعد، وأسكن مدينة مكةالمكرمة، وأمتهن هذه المهنة منذ 8 سنوات، إضافة إلى ممارسة البيع في الحج، ودخلي في كل موسم يتجاوز 40 ألف ريال، وإن ظروفه أجبرته على ممارسة هذه المهنة". ومن دولة "ليبيا" ظهر "عبدالرحمن"، الذي أعلن عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أن لديه فريقا مكونا من 7 أشخاص، يمتهنون حج البدل كفريق واحد، ويتوكلون عن أشخاص من دولتهم أو الدول المجاورة، مقابل مبالغ مالية تدخل فيها تكاليف الرحلات، وتصل إلى 20 ألف دولار، على أن يقوم هو بالتنسيق مع أحد أصدقائه داخل المملكة للحصول على تأشيرة زيارة وقت الحج، ثم ينفذ حج البدل متعجلا - حسب وصفه - على أن يمنح من أعد لهم تأشيرة الزيارة مبلغا معلوما من المال. مطالب بالتقنين من جهته، يرى أستاذ السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء العالي الدكتور عبدالله الطريقي، أن حج البدل المعروف ب"الحج بالنيابة"، الأصل أنه جائز، فكون الذي يناط له التكليف بالحج عن الآخرين قادر على القيام بكافة مناسك الحج فلا اختلاف في ذلك. وأكد الطريقي أن كون القائمين ب"حج البدل" يتقاضون مبلغا ماليا مقابل القيام بمناسك الحج فجرت العادة أن يأخذ من يقوم بحج البدل مبلغا مقطوعا، يساهم هذا المبلغ في صرفه على السكن والمواصلات والأضحية والطعام فهذا جائز. وطالب أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة بجامعة الملك عبدالعزيز، الدكتور حسن محمد سفر، بأن تقنن عملية "حج البدل" حيث إنه لا توجد حاليا أمور تنظيمية لضبط حج البدل في المملكة، الدولة القائمة على الحج، وترك الأمر لمن يرغب القيام في ذلك. وأوضح أنه لا بد أن تقنن وزارتا الحج والداخلية هذه المسألة، وكذلك وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف حتى يتم ضبط عملية حج البدل وقطع الطريق أمام المستغلين من ضعفاء النفوس، ممن يتخذون هذا الموسم وسيلة للكسب المادي، وبأن يكون هناك "توعية وتثقيف" في هذا الشأن، ويكون الأمر منوطا بمراكز الأحياء والمساجد، عبر وضع إعلان عن انتقاء أشخاص ثقات، يقومون بهذه الفريضة. وأضاف أن هناك شروطا لا بد أن تتوفر فمن يقوم بحج البدل بحيث يكون ثقة، وأن يكون سبق أن حج عن نفسه، وعالما بمناسك الحج وأحكامه، وأمينا، مشيرا إلى أن حج النيابة "البدل" لا بد أن يكون لله، دون طلب المال، وجعل أداء هذه الفريضة عن الغير متاجرة. مبادرة وفي بادرة لمنع استغلال سماسرة "حج البدل" ممن يستغلون حاجة الباحثين عن من ينوب عن آبائهم أو أمهاتهم العاجزين عن القيام بفريضة الحج والبحث عن من ينوب عنهم في ذلك، قامت بعض المؤسسات الخيرية بإطلاق مشروع "حج البدل" بقصد إيجاد البديل المقتدر لأداء فريضة الحج عن الشخص الذي وصل إلى سن العجز والمكلف شرعا والقادر من الناحية المادية في أداء هذه الفريضة ولم يتمكن من أدائها لظروفه الصحية، حيث تسعى هذه الجمعيات لمنع السماسرة من اتخاذ الحج سوق مربحة للعديد ممن يتخذون الحج موسم لربح المادي. وأطلقت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التابعة لرابطة العالم "مشروع حج البدل" من خلال مكتب مكةالمكرمة، حيث يكلف الحاج المفرد 2,350 ريال بينما يكلف الحاج المتمتع 3800 ريال، مشتملة لقيمة الهدي، حيث تتم مراعاة اختيار الأشخاص القادرين على أداء مناسك الحج ولديهم المقدرة المالية، إلى جانب "حج البدل" عن كبار السن.