راجعت امرأة متزوجة تبلغ من العمر 40 سنة، المستشفى وهي تشكو من أعراض جسدية متعددة تصاحبها منذ 20 سنة، منها إسهال مزمن ومتكرر، وألم بالبطن، فحولت بواسطة استشاري القلب للعيادة النفسية، وعندما سئلت عن سبب حضورها للمستشفى عددت بشكل سريع قائمة طويلة من الأعراض وقالت إنها راجعت العديد من الأطباء، والمعالجين الشعبيين، والمستوصفات الخاصة والعيادات، والمستشفيات، وخضعت للعديد من الفحوصات والاختبارات والمناظير، وكانت النتائج كلها سلبية. الفحص النفسي أكد أن المريضة تبالغ في التمثيل ومشتتة الذهن عند ذكر أعراضها، وكلامها غير مترابط ، ومزاجها معكر، مع إحساس بالضيق والكتمة بالصدر، وتمني الموت للراحة من عناء الحياة، وكانت تعتقد أن ما تعانيه هو نتيجة سحر عمل لها منذ ليلة زفافها. وبعد مرور فترة طويلة من المعاناة النفسية، وتملل زوجها وأهلها من كثرة شكواها، وتدهور وضعها الأسري والاجتماعي، وبعد إلحاح من الأطباء بضرورة زيارة الطبيب النفسي اقتنعت وحضرت للعيادة النفسية على مضض، فيما اكتشف الطبيب المعالج بعد التشخيص الدقيق إصابتها بمرض نفسي يدعى ب"اضطراب التجسيد". كثيرة هي الحالات التي تعاني من أمراض عضوية متعددة في وقت واحد. ويتحدث كثيرون عن مغامرات العلاج التي لم تجد نتيجة في النهاية، من التنقل بين عدد من الأطباء إلى الرقاة، والعلاج الشعبي، وغير ذلك بحثا عن حل لمعاناتهم مع تلك الأمراض التي لم يتضح سببها الطبي، فيما قد يجهل الكثيرون أن كل تلك الأعراض لها سبب طبي نفسي. عن "اضطراب التجسيد"، يقول الاستشاري النفسي الدكتور وليد الزهراني "اضطراب التجسيد"، أو كما كان يسمى سابقا بمتلازمة بريكيت، اضطراب مزمن يتصف بأعراض وشكاوى جسدية متعددة، وعادة ما تبدأ قبل سن الثلاثين، وتستمر لعدة سنوات، وتشمل آلاما وشكاوى متعلقة بالقناة الهضمية، أو الوظيفة الجنسية، أو أعراض شبه عصبية، وتعاني منه قرابة 2% من الإناث مقابل 0،2% من الذكور في العالم". وأضاف أن هذا المرض يتم تشخيصه من خلال وجود تاريخ مرضي لشكاوى جسدية متعددة تبدأ قبل سن الثلاثين، وتظل لعدة سنوات، ويترتب عليها خلل اجتماعي، أو تدهور وظيفي، مع إجراء فحوصات عديدة، وبحث مستمر عن علاج طبي. وتصاحب الأعراض خلال مسار الاضطراب أعراض ألم وتاريخ ألم ينسب على الأقل لأربع مناطق، أو وظائف مختلفة مثل الرأس، والبطن، والظهر، والمفاصل، والأطراف، والصدر، والمستقيم، أو أثناء الدورة الشهرية، أو الجماع، أو التبول، إضافة للألم في القناة الهضمية مثل الغثيان، الانتفاخ، والقيء-غير الذي يحدث أثناء الحمل- والإسهال، أو عدم تحمل أنواع مختلفة من الطعام، أو من خلال عرض شبه عصبي مثل خلل في التحكم، أو الاتزان، أو الشلل، أو الضعف الموضعي، أو صعوبة في البلع، أو سدة في الحلق، أو احتباس الصوت، أو احتباس البول، أو الهلاوس، أو الصمم، أو فقد اللمس، أو الألم، أو الرؤية المزدوجة، أو العمى، أو التشنجات، أو الاضطرابات الانشقاقية". وعن أسباب هذا المرض ذكر الدكتور الزهراني أن السبب النوعي لهذا الاضطراب مجهول، لكن هناك عوامل مساعدة يمكن أن تفسره منها عوامل بيولوجية، فيما لوحظ انتشاره وراثيا في كل من التوائم بنسبة 29%، إلى جانب العوامل العضوية كوجود خلل في الفصين الدماغيين الأماميين عند بعض المرضى، وعوامل نفسية، وبيئية، واجتماعية متباينة. وفيما يتعلق بالعلاج أكد الدكتور الزهراني أنه لا توجد معالجة جذرية فعالة ومعتمدة، ولكن هناك قواعد أساسية للتعامل مع هذه الحالات والتخفيف من حدتها، كما يلزم أن تكون علاقة المريض بالطبيب جيدة مع الانتظام في مواعيد الجلسات النفسية، والاعتراف بالأعراض، وإجراء فحص جسدي دقيق، وتجنب المسكنات، والمهدئات، والعقاقير النفسية، وإقناع المريض بضرورة مراجعة العيادات النفسية المختصة بالجلسات.