إذا كان معرض فرانكفورت أكبر معرض دولي للكتاب سنويا، فإن الحج أكبر معرض دولي للكتاب والمؤلفين والعلماء والباحثين ذكورا وإناثا، ومن مختلف شعوب الأرض وأقطارها، فالحج يعد أكبر تجمع إنساني سنوي، على مر الأزمان السابقة واللاحقة، وهو ما يميزه عن غيره من التجمعات البشرية الأخرى، سواء كانت دينية أو ثقافية. ولا تقتصر المنفعة على الجوانب الاقتصادية، كما لا تتوقف عند الحدود الدينية، بل تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير؛ فإن أكبر منفعة يمكن استقصاؤها من الاجتماع السنوي لحجاج بيت الله الحرام هو المنفعة الثقافية والعلمية، كما يقول المثقفون الذين تحدثت إليهم "الوطن". كما أشاروا في حديثهم إلى ضرورة إنشاء قاعدة بيانات يمكن استثمارها في نسك الحج، لتتطور وتصبح حالة معرفية كبيرة تستفيد منها الدول العربية والإسلامية، فشرارة الفكرة جاءت على لسان الباحث السعودي زيد الفضيل في أحد برامج قناة الثقافية، ويؤكد في حديث خاص إلى "الوطن" على الحاجة الماسة إلى تأسيس قاعدة بيانات ثقافية علمية دقيقة يتم تحديثها سنويا، لمعرفة كم من العلماء والباحثين والمثقفين من مختلف أقطار العالم، قدموا لأداء فريضة الحج في كل سنة، ثم يتم نشرها على موقع إلكتروني معد لهذا الأمر ومبني بصورة دقيقة حتى يفي بالغرض، ليتسنى لكل المهتمين الاطلاع على ذلك، وترتيب اللقاء بمن يريد من أولئك الباحثين والباحثات على مختلف التخصصات والفنون الإنسانية والعلمية خلال موسم أداء فريضة الحج. صاحب صالون الأسبوعية الثقافي الدكتور عبدالمحسن القحطاني أوضح في حديث إلى "الوطن" أن المجتمع المعرفي العربي والإسلامي يواجه نقصا كبيرا في الحصول على المعلومات والمعرفة، ضاربا مثلا بالجامعات التي قال إنها تعاني من ذلك بشكل كبير، وأن بناء هذا المشروع بشكل مؤسسي سيسهم في التقدم العلمي والثقافي، عبر تلاقي المتخصصين في جميع المجالات عبر ورش عمل منتظمة. هنا يعود الفضيل في تفصيل دلالات "المشروع المعرفي" بالقول لو أن حاجا من ماليزيا، ومتخصص في فن علمي دقيق "طبي، هندسي، كيميائي، علوم الإنسانية"، ويرغب بلقاء نظرائه في هذا الفن من مسلمي الشمال الأفريقي أو من مسلمي أوروبا أو القارة الأميركية، كيف سيتسنى له ذلك بشكل علمي وعملي؟. ويضيف "بل دعني أقول إن أي باحث سعودي في أي فن من العلوم الطبيعية أو الإنسانية، ويرغب بلقاء المهتمين في تخصصه من باحثي وباحثات المشرق أو المغرب، كيف يمكنه أن يعرف من حضر منهم خلال موسم الحج بصورة سلسة وعملية؟ وقس على ذلك الشعراء والأدباء وكتاب الرواية والفنانين التشكيليين وغيرهم، علاوة على المؤرخين واللغويين والجغرافيين وغيرهم من المهتمين بحقل الثقافة والعلوم إجمالا، كيف سيتسنى لهم لقاء بعضهم البعض خلال موسم الحج بشكل ميسر وبسيط؟" ويدافع رئيس النادي الأدبي بجدة الدكتور عبدالله السلمي عن الفكرة، وأنه بالإمكان تحقيقها على الأرض شرط توافر الظروف الصحية لإنشائها، ويقول ل"الوطن": "إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يعد من مؤسسي الحوار والتبادل المعرفي على جميع الأصعدة، المحلية والدولية"، ويرى أنه يمكن اعتبار المشروع كجسر معرفي للمملكة، واعتبار ذلك من صيغة المنافع التي دلت عليها الآية القرآنية "ليشهدوا منافع لهم" عبر هذه المشاريع الثقافية والمعرفية. وحول آليات تطبيق المشروع المعرفي فضل القحطاني أن يكون تحت مظلة جامعة الدول العربية، وعدم إثقال كاهل أجهزة الدولة المعنية في المملكة بهذا الحمل، إلا أن الفضيل والسلمي كان لهما رأي مختلف عن القحطاني، بإنشاء المؤسسة المعرفية داخل المملكة وعبر جهاز مستقل بعيد عن البيروقراطية يديره نخبة من المثقفين والمتخصصين ويتبع الجهاز حسب التخصصات وزارتي الحج والثقافة والإعلام. وقالوا إن المهام الأساسية للجهاز توثيق وتسهيل الربط بين مختلف أولئك الباحثين والباحثات في مختلف التخصصات في مكان محدد بمدينة مكةالمكرمة والمدينة المنورة حتى يسهل عليهم اللقاء وتبادل الخبرات الأولية خلال فترة وجودهم في المدينتين إبان موسم الحج.