هل كنّا فعلاً نحمل كمّاً من الإيمان المفرط بتجاوز العقل البشري؟ هل جاءت مواقع التواصل التي حملناها وزر الخطايا لتكشف الستار عن كارثة العمق وتهدينا وجه الإنسان الجديد؟ ثم ما أسرع اندماج عقولنا في هذه التركيبة، وكأننا مزيج من منفي بإرادة ومستوطن بالتوازي مع ما تفرضه العوامل المتعدده!! لا أتحدث عن تمرحل الإنسان ووصوله إلى إنسانه الجديد، بل عن التغير الجذري فينا، بعد أن أصبحت الآلة والمعلومة ووسائلها رفيقة هذا التغيير.. ومع ذلك أنا لا أتحدث عن تطور بأي شكل إنما سرعة الاستجابة للمتغير بكائن واحد كان يحتاج على الأقل لسنوات حتى يصبح شيئا آخر، قبل كل هذا الزخم والمعلومات والتقنيات الحديثة. الإيمان بهذا التغيير يؤكده المستيقظ متصفح أخبار العالم ورسائل مواقع التواصل، وقد تصنع تلك المواقع هيكلة علاقاته وبرمجة تحركاته، وتقترح عليه ما يمكنه القيام به في يومه، وربما - وهو المتوقع - أن تأخذنا كل هذه المتغيرات المتسارعة في التقنيات للتعامل بصعوبة مع إنساننا الجديد الذي يتطور بشكل لا يمكن التنبؤ بسرعته، لا يمكن؟ نعم فالضبابية التي تسود هذا العالم الرقمي بأكمله في تعريفاته وحجم بياناته ووفرة آلاته وتعدد استخداماته يجعلنا في المجمل أمام ضبابية حول معرفة إلى أي حد يمكن تخيل هذا التغيير، وتصور تكيفنا وتعاطينا معه إذا ماسلّمنا هنا بأن المعلوماتية بشكلها المطلق في هذا الموضوع هي غلاف لا يمكن تخيله، يجمع كل المكونات ويتخطى حواجز الجغرافيا منا قد يؤثر بشكل أو آخر في صناعة هذا الإنسان الجديد. ما يجعلني أكثر واقعية وعقلانية في التعاطي مع شخصية هذا الإنسان الجديد أمام التقنيات الحديثة بدءاً بالذكاء الاصطناعي ووصولاً إلى الهندسة الوراثية، هو ما أراه في التعامل مع الآلة، وهو ما تؤكده قيمة العقل البشري في الفصل بين الإنسان وأدواته التكنولوجية وتمسكه بقيمه الأخلاقية والدينية، حتى وإن جعلت منه شخصاً أكثر مرونة وكائناً ربما يتجاوز ذلك للاعتماد عليها لتقوم مقامه. لذلك كانت هذه القيم الأخلاقية وما زالت الأساس الذي يوجه السلوك البشري ويحفظ التوازن بين الفرد والمجتمع. تبرز قيمة هذه القيم وضبط التوازن لتبدد افتراضية أن الآلة تهديد مباشر للوجود البشري بتحقيق توازن دقيق بين الذكاء وتطوره المذهل، والبقاء على عمق القيم، وتأمل تطور هذا الإنسان ليشرك القدرة الاصطناعية لخدمة سماته البيولوجية.