في زمن صارت فيه المقاييس الجمالية تخضع لصرخات الموضة وتوجهات المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، نجد كثيرا من النساء يتسرَّعن في اللجوء إلى عمليات التجميل لأسباب متعددة. فإحداهن قد تشعر بأنها غير راضية عن شكل أنفها، وأخرى تظن أن شفتيها بحاجة إلى نفخ أو شفط دهون هنا أو هناك. ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هو: «هل تتخيل امرأة لا يرضيها ما وهبها الله من جمال طبيعي، فتتحدَّاه وتقوم بعمليات تجميل متعددة؟! ثم تأتي أنت وتتقدّم لها بالزواج، فكيف لها أن ترضى بما ستقدّمه أنت من اهتمام ووقت ومال وهي لم ترضَ بما أعطاها الله خالق الكون لها؟!». فكرة الرضا بما قسمه الله تعالى للإنسان لا ترتبط بالشكل الخارجي فحسب، بل تمتد إلى القناعة بالنعم التي تحيط بالمرء في كل جوانب حياته. فحين يشعر الإنسان بالطمأنينة لما بين يديه، يعكس ذلك قبولًا وحبًّا لذاته، وترتقي ثقته بنفسه إلى مستوى يمنحه هدوءًا داخليًّا لا تهزّه تغييرات الزمن ولا تجرفه صيحات الموضة. لهذا، نؤمن أن «العبرة في القبول والرضا، لا في الشد والقص والنفخ! حين تبحث عن شريكة حياة، ابحث عمّن تعكس روحُها جمالها، ولا تشوهها هواجس المرآة وجراحات التجميل وتأثير صديقات السوء». وليس خافيًا أنَّ المجتمع المعاصر يضخ في وسائل إعلامه وبرامجه وصوره نماذج مثالية للجمال الأنثوي، متناسيًا خصوصية الاختلاف الفطري بين البشر. ورغم أن بعض عمليات التجميل ضرورة طبيّة أحيانًا، فإن هذا السيل الجارف من التدخلات الجراحية لأغراض جمالية بحتة قد يُفقد صاحبتَه جمالها الطبيعي بل ويعرضها لمخاطر صحية. والأخطر من ذلك أنّه يزعزع استقرار النفس، إذ لا يكتفي الإنسان حينها بتغيير شيء بسيط، بل يدخل في دوامة الرغبة الدائمة في التعديل والمقارنة. ولأن الرضا ينعكس ابتسامة داخلية تعكسها نظرات المرء، فإنه يستقطب القبول والاطمئنان من المحيطين. وعلى النقيض، من تسعى خلف معايير شكلية متقلبة تظل غير قادرة على إشباع حاجة قلبها إلى الطمأنينة. إن ما يلفت الأنظار للحظات قد يبهج العين فترة قصيرة، لكن الجمال المصطنع سرعان ما يذوي إن لم تسانده قيم أخلاقية مستقرة ورضا حقيقي مصدره القلب. ولئن قيل: «ربما المظهر يلفت الأنظار عقدًا أو اثنين، لكن الجمال المصطنع لا يبقى، إنما الأخلاق والقيم هي التي تبقى والنفس لا تأسرُها سوى الراحة والصدق والرضا بما قسمه الله»، فإن هذا القول يعكس حقيقة أصيلة في العلاقات الإنسانية. فالزواج المترابط لا يقوم على تصحيح الأنف أو نفخ الشفاه، بل على تفاهم فكري وأُنسٍ روحي يتجاوز القشور الشكلية. من هنا، يصبح اختيار الزوجة القائمة على الرضا والقناعة أساسًا من أسس السكينة في الحياة. فكيف لرجلٍ أن يجد راحته مع امرأةٍ مستنزفة ذهنيًّا وماديًّا في دوامة التغييرات الشكلية، ولا ترى في انعكاس المرآة سوى ما ينقصها، متجاهلة ما تمتلكه من مواطنِ جمال فريد؟ إن السعادة الحقيقية تنبع من تزاوج القناعة مع العطاء المتبادل والإخلاص للذات أولًا وللآخر ثانيًا. لهذا، تذكر جيدًا وأنت تبحث عن شريكة العمر، أن الجمال الأصدق هو ذاك الذي تشعّ به الأرواح الواثقة، والرضا في القلب خير زينة تستحق أن تعانقها بقلبٍ يثمِّن ما وهبه الله لك ولمن حولك.