حين يسافر الإنسان إلى وجهة جديدة، تتشكل انطباعاته الأولى من تفاصيل تبدو بسيطة لكنها تصنع فرقًا جوهريًا في التجربة، من بين هذه التفاصيل، توفر الإنترنت المجاني في الأماكن التي يرتادها الزوار والمقيمون، مثل " المطاعم، المولات، المقاهي، المطارات، الحدائق، والكورنيش". في كثير من الدول، أصبحت هذه الخدمة بديهية ومتاحة بلا تعقيدات، مما يعكس حرص المدن على تقديم تجربة حديثة ومريحة للجميع. في إحدى زياراتي لدولة خليجية، وجدت أن الاتصال بالإنترنت في هذه الأماكن لا يتطلب سوى نقرة واحدة، دون الحاجة إلى خطوات معقدة، تجربة بسيطة، لكنها أعطتني شعورًا بأنني في مدينة ذكية تدرك احتياجات سكانها وزوارها، وتواكب العالم في تقديم خدمات تليق بالزمن الرقمي. لكن عند العودة إلى السعودية، بدا الأمر مختلفًا، حيث لا تزال هذه الخدمة محدودة أو غير متاحة في كثير من المواقع التي تُعد وجهات رئيسية للزوار. السعودية تُعد من الدول الرائدة عالميًا في سرعات الإنترنت والبنية التحتية الرقمية، وشبكات الاتصال تغطي معظم المناطق، ما يجعل غياب الإنترنت المجاني في الأماكن الحيوية أمرًا يثير التساؤل. لماذا لا يكون متاحًا بشكل سلس في المواقع التي يعتمد فيها الناس على الاتصال الدائم؟ لم يعد توفر الإنترنت المجاني مجرد خدمة إضافية، بل أصبح جزءًا من التجربة السياحية والخدمية في كثير من الدول. السائح أو الزائر الذي يجلس في مطعم، أو يتجول في مول، أو ينتظر رحلته في المطار، أو يقضي وقتًا ممتعًا في الحديقة أو على الكورنيش، يحتاج إلى الإنترنت ليس فقط للترفيه، بل للحصول على المعلومات، التنقل بسهولة، مشاركة لحظاته، وحتى إنجاز بعض الأعمال أثناء استراحته. في المدن التي تسعى لجذب السياح وتعزيز التجربة الترفيهية، يُعتبر توفر هذه الخدمة معيارًا يُؤخذ بعين الاعتبار، وهو ما تعكسه تطبيقات عالمية مثل WiFi Map و Instabridge التي تُظهر أماكن توفر الواي فاي المجاني في مختلف الوجهات. الموضوع لا يقتصر على السياحة فقط، بل يشمل قطاع التجارة والخدمات، حيث يُسهم الإنترنت المجاني في تحسين تجربة العملاء داخل المولات والمطاعم والمقاهي، ويدفع رواد الأعمال إلى تقديم خدمات أكثر تنافسية، كما يعزز من انخراط الناس في الفعاليات والمبادرات الرقمية، في كثير من المدن المتقدمة، يتم ربط شبكات الإنترنت المجانية بالخدمات الذكية، مما يسهل الوصول إلى المعلومات ويسهم في تحسين جودة الحياة. هذه الخدمة تقع ضمن نطاق عدة جهات، منها وزارة السياحة التي تهدف إلى تقديم تجربة متكاملة للزوار، وزارة التجارة التي تعمل على دعم بيئة الأعمال والخدمات التجارية، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات التي تقود التحول الرقمي في المملكة. ومع وجود جميع الإمكانيات التقنية، قد يكون الأمر بحاجة إلى إطار تنظيمي يضمن توفر الخدمة بطريقة سلسة وآمنة ومريحة للجميع. اليوم، ومع توجه السعودية نحو تعزيز مكانتها كوجهة سياحية وتجارية رائدة ضمن رؤية 2030، يصبح من الضروري التفكير في هذه التفاصيل التي تشكل فرقًا في تجربة الأفراد، إطلاق مبادرة وطنية لجعل الإنترنت المجاني متاحًا في المطاعم والمولات والمقاهي والمطارات والحدائق والكورنيش، ليس مجرد خطوة تقنية، بل رسالة بأن المملكة تتبنى التحول الرقمي كأسلوب حياة، يجعل تجربة الزائر والمقيم أكثر سهولة وسلاسة، ويعكس صورة حضارية متكاملة لدولة تتقدم بثبات نحو المستقبل.