ليست كل أوجه الإحسان طعامًا وشرابًا وكسوةً، فهناك إحسانٌ أعمق، لا تغيب ثمراته عن ميزان الله العادل، إحسانٌ يمارسه النبيل بالفطرة، حيث يرى أن التيسير الحكيم، والمرونة المحمودة، وإزالة العوائق لمن يستحق، هو استثمارٌ مع الله قبل أن يكون مع الناس، وقد يكون مقتدرًا تعثرت خطاه عند مرحلة ما أو في مسار عملٍ نبيل، لكنه يواجه صعوبات تحول بينه وبين العطاء والإنجاز، فإذا مُدّت له يد العون بوعيٍ وإدراك، استمر في عطائه، وازداد نجاحه، وكان في ذلك إحسانٌ يعزز الخير ويدفعه للأمام. التاريخ يشهد أن البذل لا يُضيع صاحبه، بل يعود إليه بأوجهٍ تفوق التوقعات؛ قد يكون في الصحة، في الفكر، في العلم، في الأبناء، في النجاح، في التوفيق، أو حتى في لحظة لم يكن يتخيل فيها أن يأتيه الفرج. السند الصادق لا يرتبط بصلات الدم فقط، ولا بالمصلحة المتبادلة، بل يتجسد في رؤية أوسع للحياة، حيث يكون العطاء قائمًا على وعيٍ بأن المعروف لا يُهدر، بل هو حلقةٌ تعود بأضعافها، ولو بعد حين، قال الله تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾، كل خيرٍ يبذله الإنسان، محفوظٌ عند الله، وسيعود إليه بأفضل صورة وأعظم أجرًا. وقال الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ الإحسان لا يضيع، بل يعود لصاحبه مضاعفًا في وجوهٍ متعددة، دنيوية وأخروية. «العزوة» ليست محصورةً في الأهل والقبيلة «مع أن في ذلك خيرٌ كثير»، لكنها تمتد إلى كل موقفٍ نبيلٍ يُجبر كسرًا، أو يسند من يحتاج ليكمل طريقه، أن يكون هناك من يرى تعبك قبل أن تطلب، أو يسهل لك السبيل دون أن يُطلب منه في بعض الأحيان، أو يدرك عند الطلب، وهو قادر أنه لن يحرج الآخر بالإلحاح والاستجداء؛ لأن في ذلك خدش لكرامة وقيمة من احتاج لهذه الوقفة النبيلة. العالم يشهد كيف تصدرت المملكة العربية السعودية المشهد في كثير من الأزمات الإنسانية، وكيف كانت «العزوة» والسند لكثيرٍ من الدول والشعوب، لم يكن ذلك سوى انعكاس لسنة كونية ثابتة: كلما كنت نبيلاً في عطائك، كنت محفوظًا، كنت مرفوعًا، كنت متصدرًا، كنت مؤيدًا في الأرض والسماء. وعلى مستوى الأفراد، لو تأمل كل إنسانٍ موقفًا قدمه بعفوية، أو عونًا أسداه لمستحق، لوجد أن الله أكرمه بما هو خير منه، في وقتٍ لم يكن يتوقعه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» قاعدةٌ عظيمةٌ: العون لا يذهب هباءً، والاستثمار في الخير لا يخسر، بل هو ربحٌ متصل، يجمع لك خير الدنيا والآخرة. «العزوة»، ليست مجرد موقفٍ عابر، بل رؤيةٌ بعيدة المدى، واستثمارٌ ذكيٌ و موفق بعون الله سبحانه، حيث تجد العطاء يعود إليك بطريقةٍ تفوق كل الحسابات المادية. العزوة الحقيقية لا تحتاج إلى مناشدات، بل تبادر حين يكون الموقف نبيلًا، والحاجة واضحة، لأنها شهامةٌ خالصة، يدرك صاحبها أن هناك أبوابًا تُفتح بغير مفاتيح، ولكن بسخاء اليد والقلب والفعل.