في عصرٍ تختزل فيه السعادة في امتلاك «الأحدث»، لم يعد الاستهلاك مجرد شراء للسلع، بل أصبح فلسفةً تُشكِّل وعينا وعلاقاتنا وحتى فهمنا للزمن. وكما تُصمَّم الأجهزة الإلكترونية لتفقد فاعليتها سريعًا كي نستمر في شراء بدائلها، يُعاد تشكيل حياتنا لتدور في حلقةٍ مفرغة من التبديل المستمر أصبحنا نبحث عن «نسخة محسنة» من كل شيء: هواتف جديدة، موضات متغيرة، أثاث عصري، وكأن توقفنا عن الركض خلف «الجديد» يعني أن يتجاوزنا العالم، لكن الأثر لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى العلاقات والمشاعر. في زمنٍ تُقاس فيه القيم بسرعة الاستبدال، لم يعد الحب التزامًا، بل سلعة تُغيِّرها موضة المشاعر العابرة. نبحث عن شريكٍ مثالي خالٍ من العيوب، ونستبدل الأصدقاء كما نُبدّل الملابس حين تبهت ألوانها، غافلين أن كثرة الخيارات لا تعني بالضرورة مزيدًا من السعادة، بل قد تُحوِّلنا إلى أسرى المقارنات، حيث لا يكتمل الرضا لأن «الأفضل» دائمًا في مكانٍ آخر. هوس التجديد والتغيير لا يُستنزف مواردنا فحسب، بل يُعيد تشكيل وعينا. تُسوّق لنا السعادة كهدفٍ مؤجل، مشروطةً دائمًا بالحصول على شيءٍ لم نمتلكه بعد. هواتف تُطلَق كل عام بوصفها «ثورية»، وموضات تتغير قبل أن نعتاد عليها، وتقنيات تُفرض علينا قبل أن نحتاجها، في سباقٍ استهلاكي شرس يُغذّي الوهم بأن السعادة تكمن في امتلاك «ما بعد القادم». وإذا كانت «السعادة تكمن في الرغبة بما تملك» لا في امتلاك المزيد كما يقول ألدوس هكسلي فإننا اليوم نعيش عكس هذه القاعدة، ونبحث عن شيءٍ لا نعرفه، في مكانٍ لم نحدده، وكأننا نهرب من أنفسنا دون وجهة واضحة. هذا هو التناقض الصارخ في عصرنا: فبينما نحمل شعارات التطور، إذ بنا نُحوِّل الحياة إلى متجرٍ كبير نغادره بأكياس مُحمَّلة، ثم بعدها نتساءل:ماذا سنفعل بكل هذا الجديد وقلوبنا خاوية من الرضا؟!