قيس عمر العجارمة بدأت حمى السباق نحو حشد وتجييش المريدين والمشجعين لفريقين على الساحة السياسية الأردنية؛ فريق يقوده الإخوان المسلمون الذين ضاقت خياراتهم في لعبة توازن القوى، فلجؤوا إلى تصعيد الشارع وخلط الأوراق من أجل إعادة البريق وخطف الأضواء في المشهد السياسي الأردني، أما الفريق الآخر الذي تتعدد منابعه السياسية والفكرية فينتمي إلى ثقافة ومدرسة التصّوف لمصلحة الأردن وقيادته، يحدوه الإيمان بحقيقة ثابتة وراسخة مؤداها أن استقرار الأردن وديمومة أمنه يرتكزان على ضمانة مهمة جدا وهي الهاشميون، وهذا لا يعني أن الفريق الآخر (الإخوان المسلمون) لا يؤمن بهذه الحقيقة، بل إنه وبحسب التصريحات المعلنة يؤكد عليها ويتبناها. إلا أن الاختلاف بين الفريقين يكمن في طريقة التعاطي مع هذه الحقيقة، فالإخوان المسلمون يرون أن صلاحيات الدولة تستغل من قبل مؤسسات وأشخاص لمصالح شخصية وغايات خاصة، ولا بد من تقليصها، أما الفريق الآخر فيرى أن بقاء صلاحيات الدولة وإشرافها الكامل على مؤسسات الدولة في ظل هذه المرحلة الحرجة يشكل قاعدة هرم الإصلاح المنشود وتماسك الدولة الأردنية. وحتى نستطيع المقارنة والمقاربة بين كلا الفريقين لا بد لنا من أن ننطلق من الثوابت التالية: أولا: إن الأردن بحاجة إلى عملية إصلاح شاملة في كافة المجالات. ثانياً: أن الإصلاح بحاجة إلى وقت ولا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها. ثالثاً: لا يجوز لأي فريق أو حزب سياسي التحدث باسم الأردنيين وأسر رأي الشارع لمصلحته. رابعاً: إن الإصلاح غاية بحد ذاتها وليس وسيلة. في ظل هذه المعطيات التي في اعتقادي لا يختلف عليها أحد نستطيع أن نتلمس جزءا كبيرا من مشكلة الاختلاف بين الفريقين والذي يخشى الكثيرون من أن يصل إلى ما لا تحمد عقباه. ويبرز جوهر الخلاف في ما يلي: الإخوان المسلمون ينطلقون من هذه الثوابت ولكن على طريقتهم الخاصة، فهم يرون أن الأردن بحاجة إلى عملية إصلاح لكنها لا تتم إلا من خلالهم وحدهم، فيما ينظر إليهم الفريق الآخر كشريك أساسي يجب أن يترجم دوره من خلال المشاركة في العملية السياسية والتعاون المشترك المبني على الاعتراف بوجود الآخر واحترام رأيه وعدم اتهامه بالبلطجة. ويرى الإخوان المسلمون أنهم يملكون عصا سحرية سوف تغير الواقع بين ليلة وضحاها، وهذا جزء من برنامج الاستقطاب والدعاية، بينما ينظر الفريق الآخر بواقعية أكثر للأمر ويعلم أن تغيير الواقع بحاجة إلى وقت. إن سياسة احتكار رأي الشارع وأسره التي يتبعها الإخوان المسلمون، إضافة إلى عدم احترام الرأي الآخر وإنكار وجوده تؤدي إلى استفزاز الفريق الآخر وإجباره على إثبات وجوده في الشارع. هذا النهج الذي يتخذه الإخوان المسلمون يرسخ الاعتقاد لدى الفريق الآخر بأن شعارات المطالبة بالإصلاح التي يرفعها الإخوان وسيلة وليست غاية، يعزز هذا الاعتقاد هيمنة الحركة الإسلامية على مخرجات الإصلاح، مثالها نقابة المعلمين التي لم تقاومها شهية الحركة لتسيطر عليها بجشع يعزز نظرية السعي للسيطرة والانفراد وعدم الإيمان بمبدأ المشاركة السياسية. ربما كان الهدف المعلن لمسيرة الإخوان هو إنقاذ الأردن، وهذا رأيهم ونحترمه، لكنني أتساءل أنا وغيري عن الكيفية التي ستترجم هذا الهدف، ونحن نعلم جيدا أن الأجواء الداخلية والإقليمية لا تحتمل مثل هذا العبث والاستهتار، وتتطلب من أبناء الأردن الحكمة والتعقل والموازنة بين المصالح والمفاسد، والاحتكام للشرع الإسلامي في هذه الموازنة التي توجب أولوية درء المفاسد على جلب المنافع والمصالح. وليس هنالك أدنى شك بأن درء ما سيترتب على هذه المسيرة من مفاسد أولى ألف مرة مما ستجلبه من منافع مزعومة.