يعتقد البعض أن الحرية في السوق هي شراء كل ما يأتي بالخاطر، وصرف الأموال بلا قيود. ويردد البعض: «أنا حر أشتري ما أريد». بينما في حقيقة الأمر قد يكون هذا الشخص تحت سلطة السوق والتسويق وهو غير واعٍ لذلك. وتُسلب منه الحرية وهو يعتقد أنه يمارسها. عندما يسيطر السوق على عقلك اللا واعي بالتسويق النفسي ويدفعك لصرف معظم أموالك، فإن حريتك تتقلص بشكل كبير. لأن المال أحد أكبر مقومات الحرية في عصرنا الحديث. وعندما تستهلك أغلب ما لديك فيما لا تحتاجه، ستصبح عاجزًا عن شراء ما تحتاجه. وقمة العجز في الحرية هو ألا تتمكن من تلبية احتياجاتك الأساسية. فبالتالي، تصبح الحرية غير حقيقية. تبدأ الحرية في هذا السياق، من القدرة على رفض الشراء بدافع من «الإرادة الحرة» للفرد. بمعنى أن الحر الحقيقي يستطيع أن يقول «لا» عندما يغويه السوق ويغريه التسويق. أن يقاوم رغبات نفسه وغرائزه ويسيطر عليها بإرادة حرة نابعة من وعي ذاتي، ويرفض أن ينساق وراء الإغراءات وينفق أمواله على ما لا يحتاجه. في هذه الحالة، يكون الفرد يمارس الحرية الحقيقية بناءً على وعي وتفكير حكيم، لأن قرار الرفض هنا نابع من تفكير واعٍ خالص تجاه المغريات السوقية. بينما عندما يشتري الإنسان ما يريد؛ فإنه قد تؤثر فيه غرائزه أو رغباته أو أطماعه في كثير من الحالات. فيكون الشراء في هذه الحالة ليس إرادة حرة خالصة. بينما رفض الشراء غالبًا يكون مقاومة بإرادة حرة تجاه كثير من المؤثرات النفسية والغريزية، تنبع من وعي خالص تجاه ما يُدار حوله في السوق. الحرية في التعامل مع السوق، باختصار، تعني ممارسة حرية الاختيار بإرادة حرة وتفكير واعٍ يميز بين ما تحتاجه فعلًا وما لا تحتاجه. وتفكير منطقي بما تريده فعلًا وما لا تريده. تبدأ هذه الممارسة بالتفكير النقدي والوعي بأساليب السوق في إثارة الرغبات. تبدأ الممارسة الحرة الواعية بسؤال: هل هذا المنتج الذي أنا مقبل على شرائه أحتاجه بإرادة مني وتفكير واعٍ أم بإغواء السوق؟، هل هذا المنتج أحتاجه فعلًا أم أنه غيرةٌ داخلية أحملها تجاه غيري؟، هل أنا مقتنع فعلًا بالشراء أم أن أحدًا أقنعني دون وعي ذاتي مني؟. بعد الإجابة عن هذه الأسئلة، يتوصل الفرد إلى رؤية واضحة تساعده على ترتيب أولوياته بشكل منطقي. وتأتي أفكار منطقية تساعد على فهم السلوك غير الواعي مع السوق من أجل ترتيب الأولويات. يصل الإنسان بعد ذلك إلى إدراك ذاتي بما يدور حوله من أساليب السوق والتسويق حتى يتمكن من إدارة ذاته وحياته وعائلته بحرية كاملة دون تأثيرات خارجية تسيطر على وعيه. عندما يُنظم الإنسان هذا الجانب، ستتغير حياته تدريجيًا. أولًا، سيوفر الكثير من المال لأسرته ومجتمعه. ثانيًا، سيكتسب حرية حقيقية في اتخاذ القرارات بإرادة واعية. ثالثًا، ستتطور شخصيته، وتزداد ثقته بنفسه، وسيتجنب التقليد الأعمى والتبعية. عندما تنتشر ثقافة الاستقلالية والوعي في التعامل مع السوق -المسيطر على حياة الناس حاليًا- ستقل الفوضى والتبعية المنتشرة في عالمنا اليوم. وسيرتفع الوعي بالذات عند الفرد ويقل التقليد الأعمى الذي تفشى في العالم الحديث بشكل يدعو للقلق والارتياب تجاه مستقبل هذا السلوك غير الواعي في عصر العلم والتقنية والمعلومات والتطور. في النهاية، يجب أن يتوقف الفرد قليلًا، ويُعيد التفكير في سلوكياته مع السوق حتى لا يندم لاحقًا. ومن خلال وعيه الذاتي، يمكنه أن يعيش حياة سعيدة ومُرضية، مبنية على اختيارات حرة وإرادة حقيقية نابعة من ذاته الواعية.