«الأوقاف» ركيزة أساسية للتنمية المستدامة في المجتمعات الإسلامية، حيث تحمل رسالة نبيلة تهدف إلى خدمة المجتمع بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومع تعاظم التحديات التي تواجه العالم اليوم، يصبح من الضروري أن تتبنى هيئة الأوقاف نموذجا تشغيليا مبتكرا يوازن بين الكفاءة التشغيلية والمرونة التنظيمية، بما يضمن تحقيق أهدافها وتعظيم أثرها التنموي. تعاني الكثير من الهيئات الوقفية من تحديات متكررة مثل ضعف الحوكمة وغياب الرؤية الواضحة والافتقار إلى الأدوات الحديثة، ما يستدعي التحول إلى نموذج أكثر تطورا يعزز الشفافية والكفاءة ويوفر قيمة مضافة للمجتمع. إن صياغة هذا النموذج تبدأ بتحديد رؤية إستراتيجية تعكس الأثر التنموي للأوقاف، وتتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تؤكد على أهمية القطاع غير الربحي في تحقيق التنمية المستدامة. لتحقيق هذه الرؤية، يجب على الهيئة تعزيز الحوكمة من خلال سياسات واضحة تضمن الشفافية والمساءلة، مع إنشاء هيكل تنظيمي يدعم اتخاذ قرارات مستقلة تحقق الأهداف المرجوة. إلى جانب ذلك، يعد التحول الرقمي ركيزة أساسية للنموذج التشغيلي الجديد، حيث يمكن لتقنيات إدارة البيانات والذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة إدارة الأصول الوقفية وتمكين الهيئة من اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة. كما أن الشراكات الإستراتيجية بين هيئة الأوقاف والقطاع الخاص تلعب دورا كبيرا في تنمية الأصول الوقفية واستثمارها بشكل مبتكر، مما يفتح آفاقا جديدة لتحقيق عوائد مستدامة. يجب أن يكون النموذج الجديد مدفوعا بقياس الأثر، حيث يتم تحديد مؤشرات أداء واضحة لقياس مدى تحقيق الأهداف مثل العوائد المالية وعدد المستفيدين والأثر المجتمعي. من الضروري أن تستفيد هيئة الأوقاف من التجارب العالمية الناجحة، مثل صناديق الوقف الجامعي في الولاياتالمتحدة التي أثبتت كفاءتها في تحقيق استدامة مالية عالية بفضل إستراتيجياتها الاستثمارية الرائدة. هذا النموذج يبرز أهمية الجمع بين الابتكار والحوكمة لتحقيق تنمية مستدامة. كما أن هناك بعض الأفكار التقنية التحولية التي تحتاج دراسة، كامتلاك الرئيس التنفيذي للوحة معلومات شاملة للأصول الوقفية وأعدادها وأنواعها، وتكون الإدارة الوقفية من الهيئة لناظر الوقف للعميل خدمات إلكترونية بالكامل لتتحقق الرقابة المثلى والضبط الفعال، وهل حققت أهدافها - الأوقاف- مقارنة بغيرها في السوق أو حسب سعر السوق للنوع المحدد من الوقف، وفيها تظهر مؤشرات للمبادرات الوقفية والمشاريع الناتجة عنها، وهل حققت أثرها وعلاقتها بمستهدفات الرؤية الوطنية 2030 وتحقيق الاستثمارات الوقفية للأهداف المحددة مسبقا. في ظل هذه المتغيرات تجد هيئة الأوقاف نفسها أمام فرصة ذهبية لقيادة تحول جذري في طريقة إدارة الأوقاف، بما يضمن تحقيق أهدافها التنموية وتعزيز مكانتها كأداة رئيسية للتنمية في المملكة. التحول نحو نموذج تشغيلي مبتكر ليس خيارا بل ضرورة تفرضها تحديات العصر، ويجب أن تكون الهيئة مستعدة لتبني أفضل الممارسات وتطوير أساليب عملها لتحقيق تأثير مستدام يلبي تطلعات المجتمع ويعزز من دور الأوقاف كرافعة للتنمية.