يتمنى كل منا أن يصل إلى أعلى قمة من النجاح، فذلك التوق المتصل بالقمة سوف يتسرب إلى دهاليز نفسك ويقلص قدرتك على الإحساس بالبهجة وإمتصاص المعرفة. فهذا التوق يجعلك في حالة مستمرة مدافعا عن ذاتك كلما خيل إليك أنك فشلت ولم تحقق مبتغاك. هذه الحالة التي تمر بها تقلص إبداعك وقدرتك على الإبتكار، فالإبتكار مرتبط مباشرة بعنصر المجازفة، فهي تنطوي على إحتمالات النجاح والفشل. عدم شعورك بالرضا عن نفسك أصبح هذا الإدراك مدخلا للمشاعر السلبية التي تنهش طاقتك بدلا من أن تطلقها نحو حالة الإكتمال والرضا. تخيل بأنك لاعب قدم متميز مثل ميسي وعضو في فريق مشهور، وتخيل أن هناك من يتربص بك ويحاصرك من كل حد وصوب في كل خطوة ستقدم عليها ملوحا لك بالكارت الأحمر، وتخيل بأنك ذلك الخصم تشحن نفسك بالقلق من جراء سعيك المحموم لتقييم نفسك وإبراز موهبتك أمام الجمهور. فعاشق الكمال والتفوق يخاف من الفشل أو أن يقدم على خطوة سيندم عليها بقية عمره لأنه يرتعد من فقدان إحترام المجتمع. ومعنى ذلك بأن هدفك الرئيسي ليس النجاح والتفوق وإنما هدفك الحقيقي هو تقييم ذاتك من خلال ما يراه الآخرون. عقدة النجاح تفقدك الإحساس بالرضا والأمان، تجعلك في حالة هيستيريا وهوس إذا لم تحصل على المرتبة الأولى أو الجائزة الكبرى. أن تعيش في وهم الكمال كأنك تضع حول عنقك مشنقة تخنق دون أن تجعلك تتنفس بهدوء الهواء النقي، فأنت بذلك تلغي لا شعوريا سائر أمنياتك. فهي الصخرة التي تعثر مسيرتك ومعها يتآكل إحساسك بالسكون والرضا والإكتمال، فتلك طبيعة الخلق نرى النصف الفارغ من الكأس دون النظر إلى النصف الممتلئ. سرا نريد أن نصبح على قائمة أغنياء العالم بحيث نعتقد أننا أووفر حظا ومالا ونجاح، فهي أمنية تولد معنا. بعض الأهالي - دون درايتهم - يجعلون حبهم لأبنائهم مشروطا بالنجاح، مقاييس النجاح التي يحددنوها هم. هناك خيط رفيع يفصل بين التفوق وبلوغ الكمال، فالتفوق هو أن تستمتع بما تفعل وتشعر بالغبطة حين تتعلم شيئا جديدا. التفوق يشعرك بأن كل يوم جديد يعلمك المزيد، وأن ما تتعلمه يصبح مصدرا لثقتك بنفسك. أما إشتهاء الكمال فهو أن تشعر بالفشل إن لم تحقق أعلى النجحات في كل شيء. إذا تخرجت من الجامعة وكان ترتيبك الثاني من بين الخريجين والخريجات، سيأتي والدك يقول لك لو كنت قد بذلت القليل من الجهد الإضافي لكان ترتيبك الأول على الكلية، رغم أن الشهادة التي حصلت عليها ستؤهلك للحصول على وظيفة مرموقة، تضمن لك العيش برفاهية وأمان. تلك الحظة ستحول العود الأخضر الذي حمل زهرة النجاح في قلبك إلى عود يابس يشعرك بالحزن. درب النجاح طويل فهو يشعرنا بأنه يرهقنا بإستمرار، دون وعي بما قد يسببه من مشكلات نفسية في المستقبل. الوصول إلى الكمال يجعلك تجلد ذاتك، وهذا يفقدك كل الأحاسيس الجميلة عندما تحقق طموحك الذي كافحت من أجله دوما. إذا جلدت ذاتك فإنك تعاقب نفسك دون أن تدرك بأنك إنسان ولك عيوب لا تستطيع التخلص منها، لأنها ولدت معك. تحتاج ألا تثقل كاهلك، ابذل المجهود الذي تستطيع القيام به دون أن يسبب لك ضغطا نفسيا يعيقك عن النجاح. كل إنسان له طاقة محدودة لا يستطيع تجاوزها، عليه أن يشعر بالرضا والسعادة لما حققه من إنجازات عظيمة حتى لو لم يكن بمرتبة الشرف. أن تحقق إنجازا، خير من الا تحقق شيئا تستفيد منه في حياتك.