من الطبيعي أن تواجه الإنسان صعوبات ، ومشكلات في محيط عمله يمكن تلافيها ، ومعالجتها حال وقوعها، إلا أخطاء داخل المؤسسات الإعلامية غير مقصودة بسبب كثرة تحرير وإعداد و إنتاج المواد الإخبارية، أوالبرامجية اليومية، الأمر الذي يجعل الإعلامي في قلق دائم واعصاب مشدودة لأن غلطة واحدة توقعه تحت المساءلة ، وعدم التسامح لتحذير الآخرين واستباقا لسهام نقد المجتمع. لكن المعاناة الحقيقية حين يصطدم الإعلامي بمدير مباشر أهوج ،متسرع ، متقلب المزاج، وجميعها تؤدي إلى اعتلالات الصحة الجسدية والنفسية. ومن خلال عملي في تلفزيون أبها كمحرر ،ومذيع، لمدة إثني عشر عاما ثم ترقيتي ، وتكليفي بالإشراف على مكتب وكالة الأنباء السعودية بمنطقة عسير لمدة ثلاثة وعشرين عاماً ، خرجت بتجربة تتلخص في أن الإعلامي الحقيقي يحمل روحاً تعطي بسخاء ،وتسعى للتألق والنجاح ،ومشاعر حساسة لا تقبل خدشها، بشرط توفر بيئة إعلامية محفزة وراقية، والعكس صحيح إذا كانت تلك البيئة طاردة محبطة حتى لو توفرت شُعلة الموهبة ، والشغف ، والإبداع فمن المؤكد انها ستنطفئ بالتدريج ويفقد العمل روح المبادرة والنجاح والقبول. وفي الأسابيع الماضية أهدتني المذيعة المصرية آمال علام نسخة من كتابها"حواديث الدور الثالث"، أرسلته عن طريق الزميل "عدنان صعيدي" المشرف على إذاعة نداء الإسلام السابق وكبير المذيعين بالإذاعة والكاتب المعروف. و تزاحمت في خاطرى وأنا اقرأ الكتاب مواقف واحداث يمكن أن يتعرض لها الإعلامي اثناء عمله في أي مكان وزمان. وسرد ت المذيعة باسلوب رشيق مسيرتها خلال ربع قرن في مجال الإعلام المسموع مابين الركض اليومي بين الأستوديوهات، ،المكاتب ، اللقاءات، قراءة نشرات الاخبار ، إعداد البرامج والمنوعات ، ومارافقها من إنجازات واخفاقات وأفراح وأتراح. ولم تغفل المؤلفة في كتابها الذي يقع في مائتين وثمان واربعين صفحة طريقة معالجتها للصعوبات ،واجتياز اللحظات الحرجة بالصبر والذكاء والتغافل أحياناً ، وهي تُعطي للأجيال الإعلامية الصاعدة بصورة غير مباشرة دروساً مجانية في كيفية التعامل و التغلب على ما قد يعترضهم في حياتهم العملية. ولفتت انتباهي عبارة قصيرة في مقدمة الكتاب لكنها تحمل من الحُزن والأسى الشيء الكثير وكأنها تختصر تلك السنوات الطِوال حين قالت المذيعة آمال علام "دخلت ماسبيرو بكل حب وخرجت بكل ألم."وهي إلماحة ذكية تمهد للقارئ التنقل بين فصول إعلامية متنوعة كانت شاهدة عيان عليها تشبه بهجة الربيع القصيرة فحرارة الصيف الملتهبة مروراً باصفرار الخريف واخيراً برودة وصمت الشتاء. وأرى أن الكاتبة تفوقت في نقل ماشهدته من حواديث الدور الثالث في ماسبيرو ، بل وازنت بنجاح بين مواقف إيجابية وسلبية لأشخاص أحاطوا بها ، إضافة الى إيجاز بليغ عن شخصيات التقت بهم ، وحاورتهم في مجالات الفكر، الإعلام، الأدب ، الفن وهذا يعني انها تركت اثراً ايجابيا سيبقى في ذاكرة الأيام. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم ياتُرى كم من أُناس عملوا في الإعلام وغير الإعلام، كانوا في أدوار متعددة ، ومارسوا حواديث فارغة ، ليخرجوا منها بعد حين دون أثر أو إنجازات فارقة؟