منذ عدة سنوات وأنا أرى ملهى هارون الرشيد في الدور الثاني لفندق يطل على النيل، مجاور لجامعة الدول العربية في القاهرة، ويقع ما بين شارع التحرير وشارع عبدالقادر حمزة، ولقد شعرت بألم كبير نتيجة وضع اسم خليفة من خلفاء المسلمين كان يحج عامًا ويغزو عامًا، على ذلك المكان! أي ثقافة لدى من اختار الاسم ووافق عليه؟ ثم أين الجهات المسؤولة عن أسماء المحلات التجارية والملاهي السياحية وغيرها التي تستخدم أسماء الرموز التاريخية، وتدنسها بمثل هذه الطريقة التي لا يقرها ولا يقبلها أي إنسان شريف وغيور على أعراض الناس، بغض النظر عن أديانهم وجنسياتهم. هذه الإهانة تتعدى مسألة الحقوق لتصل إلى مرحلة التطاول على شخصيات عامة ورموز لها تاريخها العظيم، إنها إهانة للمصريين الشرفاء الذين لا يقبلون بأن يكون في مصر من يحمل مثل هذه الأفكار. المصريون هم العلماء والقادة ورجال الأعمال والمبدعون والأطباء والقضاة والمحامون ورجال الأمن وخير أجناد الأرض، وهم أهل الأزهر الشريف إحدى أقدم مؤسسات التعليم العالي في التاريخ، ولا يقبلون بمثل هذه الممارسات التي تسيء لهم ولدولتهم ولمجتمعاتهم. إنهم شعب الحضارات والثقافات، ولهذا أشك أن يكون مصريًا من وضع اسم الخليفة على الملهى! المصريون شرفاء ونبلاء ولا يقبلون بأن تهان رموزهم، وأن تلوث سمعتهم بمثل هذه الممارسات التي لا تليق بمصر وأهلها. أيها المصريون الشرفاء هذا الخليفة العظيم من أحفاد هاجر زوجة إبراهيم وأم إسماعيل عليهم السلام جميعًا. هذه اللوحة كان لي معها قصة، فكل مرة أسكن في هذا الفندق كنت أتحدث مع الموظفين عنها، وشعرت بتأثرهم وعدم رضاهم عنها، ولكن كما يقولون «لقمة العيش لا تسمح لنا بالحديث عن هذا الموضوع»! ولكن لم أتوقف عند هؤلاء الطيبين، فلقد بحثت عن المسؤولين، حتى التقيت مدير الفندق صدفة في المصعد وكنت أسأل عن المدير، وفعلاً فتحت معه موضوع «ملهى هارون الرشيد»، وقال لي هذا له عقود، وأنه مدير جديد في الفندق، ووعد بالنظر في الموضوع. وعندما سألته عن مالك الفندق، قال إنه «خليجي الجنسية»، وعبثًا اتصلت بسيدة تحمل اسم العائلة التي ينتمي إليها المالك، وأرسلت لها رسالة نصية، وشرحت لها الوضع، ولكنها أنكرت علاقتها بالفندق أو بالمالك، وأنها لا تملك فنادق في القاهرة، والأسماء تتشابه. غادرت القاهرة، ثم عدت للعمل منذ فترة قصيرة إليها، ورجعت للمكان نفسه، ووجدت اللوحات الإرشادية في أدوار ومصاعد الفندق لا تزال كما هي، بل تم تجديد الاسم على باب الملهى بالخط العربي بعد أن كان منحوتًا من الخشب، هذا تشهير وانتقاص لهذا الخليفة العظيم، ولهذا أؤكد أننا لا نقبل بوضع أي اسم لأي شخص ذكرًا كان أم أنثى أن يوضع على ملهى أو أن يتاجر بأسماء هؤلاء العظماء أو غيرهم، وأن تشوه سمعتهم في تضليل خطير، وفي سابقة تاريخية يجب أن تكون موضوع المساءلة والتحقيق فيها وفي غيرها من الحالات المشابهة في جميع المؤسسات والمحلات التجارية والترفيهية في جميع الدول. نعم إنني أعبر عن غضبي لمثل هذه الممارسات التي تقف خلف تشويه سمعة الرموز أو الأشخاص أيًا كانوا، ولهذا لجأت لكتابة هذا المقال، لأعبر عن عدم رضاي عن هذا التصرف المخزي لمن فكر ووافق وسمح لمثل هذه المحلات وغيرها باستخدام أسماء شخصيات ورموز لإهانتها والانتقاص منها ومن تاريخها الذي هو تاريخنا نحن جميعًا. ومن لم يهتم بأمر المسلين فليس منهم، كما يجب رد الاعتبار وتسمية لهذا الخليفة وغيره ممن تستغل أسماؤهم في المحلات السيئة الذكر، وتوضع على الشوارع والساحات العامة. ثم يجب أن يصدر اعتذار من الفندق ومن الجهات التي اعتمدت هذه التسمية على الملهى، عبر إعلان ينشر في الصحف للتكفير عن هذه الخطيئة. أيها الشرفاء، عندما يهان الأموات الذين أنتم أحفادهم فسيهان الأحياء وينتقص منهم ومن كرامتهم وشرفهم وسمعتهم، ولهذا أدعو إلى مراجعة عامة في جميع الدول العربية والإسلامية للمحلات التي تستخدم أسماء شخصيات تاريخية أو غيرها، لمعالجة أي مخالفة من هذا التنوع، ولا يسمح إلا بإذن من الجهة التي لها الحق القانوني في الموافقة على استخدام الأسماء في المحلات من عدمه. هذه القضية تمس تاريخ أمة كاملة، وقضية رأي عام، وليست قضية شخصية، إنها لا تمس شخص الخليفة وسلالته فقط، ولكنها تمس شرف الأمة وتاريخها، وإلا سيكون قادتنا في المستقبل محل استهتار وإسفاف من بني جلدتنا، وغيرهم من أعدائنا الذين يعملون على تشويه تاريخنا، والمساس بقادتنا وعلمائنا ورموزنا، بل وبرجالنا ونسائنا ومؤسساتنا، وبأعراضنا وديننا وقيمنا وثقافتنا. ونحن لا نقبل تحت أي ذريعة المساس بكرامة أي إنسان في الدنيا، فكيف بنا نحن المسؤولين أمام الله، في مثل هذا المواقف. كما أدعوا كل من يرى إساءة لأي رمز في أي مكان أن يتحرك بشكل قانوي ونظامي لرفع هذا الضرر والمحافظة على كرامة الأموات والأحياء، ما دام فينا الحياء.