كنت أظن أني «فلتة زماني» في كشف التهكير، فما إن يصل رابط للإنترنت على جروبات واتس الأسرة أو الأصدقاء، حتى أصدر تنبيهي بعدم الاقتراب منه، حتى أتحقق منه. وفي ليلة طلب مني صديقي السوداني أن أحجز له تذكرة باص ليذهب للعمرة. فتحت جوالي بكل ثقة وبحثت في الإنترنت بكلمة «سابتكو» وهي شركة النقل البري الوطنية والأكثر أمنا وموثوقية، ثم ضغطت على أول رابط كالعادة وفتحت لي صفحة بها شعار «سابتكو)»، وحددت مدينة الانطلاق ومدينة الوصول، وكانت الأسعار أقل من المعتاد ب60 %، فقلت لصديقي ما هي الخبيئة التي بينك وبين الله لتنخفض الأسعار في الليلة التي قررت فيها أن تعتمر! وأخذت بطاقة صراف صديقي وأدخلت أرقامها في خانة الدفع، وما إن أكملت الإدخال حتى وصل رمز تحقق من البنك بتأكيد رغبته في فتح محفظة، فعدت للصفحة على الإنترنت فإذا بها صفحة وهمية منسوخة عن «سابتكو» الحقيقية، وروج المهكر للرابط حتى يظهر أعلى نتائج البحث. في أقل من دقيقة ورد على جوال صديقي رسالة واتس من رقم سعودي وصورة العرض له شعار «سابتكو»، وطلب إعطاءه الرمز ليلحق بالعرض قبل فواته. وما إن تأخرنا في الرد، حتى أرسل مقطعا صوتيا يحضنا على التعجل بإعطائه الرقم، وكانت لهجته تميل إلى إحدى الدول التي تحدنا من الشمال، ويتضح في لكنته أنه سبق له العيش في المملكة طويلا إن لم يكن بها لحظة بعثه الصوت! وبمتابعتي لهذا الواتس صباحا، تغيرت صورة العرض من شعار سابتكو إلى شعار موقع «تأميني»، وهو موقع رسمي لتجمع شركات التأمين السعودية، بمعنى أن هذا «النصاب» أنشأ صفحة وهمية أخرى للإيقاع بضحايا البحث عن أسعار تأمين رخيصة وهكذا. من البديهي أن أرسل الرقم المحتال إلى الرقم 330330 المخصص من هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات للإبلاغ عن الرسائل الاحتيالية، ولكن إن كانت الهيئة قد أعلنت أنها تلقت 63 ألف بلاغ في أبريل2021 فكم هي البلاغات الواردة هذا الشهر بعد ثلاثة أعوام؟ وكم هي البلاغات التي بوشرت في دقائق، كون هذا المحتال يضرب ضربته في ثوان معدودة وليس متأخرا بالشهر والشهرين كحال معالجة البلاغات؟! السؤال هل تتم سرقة أموالنا من حساباتنا التي أودعناها لدى هيئة الاتصالات أم أودعناها لدى النيابة العامة أم أودعناها لدى مراكز الشرطة أم... أم.... مما يعج يوميا بآلاف البلاغات عن الاحتيالات المالية، فالصحيح أننا أودعنا أموالنا لدى بنوكنا المحلية، وعن بنوكنا المحلية، فهذا خبر صحفي نصه (شهد عام 2023 أداء استثنائيا للبنوك السعودية، حيث حققت أرباحًا تاريخية وصلت إلى 70 مليار ريال (حوالي 19 مليار دولار) وانتهى الخبر. فإن تم تخصيص 10 % من هذا المبلغ لإنشاء مركز دولي متقدم يحوكم تطبيقا آليا بالشراكة مع واتساب لإغلاق أي رقم تواصل مؤقتا يتم الإبلاغ عنه حتى يؤكد أنه ما زال يعمل على الشريحة السعودية برقم تفعيل خاص، وهذا حل واحد من آلاف الحلول التي يمكن ابتكارها ب7 مليارات ريال. فنخشى يا بنوكنا أن يأتي يوم لا نودع شقاء أعمارنا لديكم، كوننا قد اكتوينا ممن يوهمنا بلسان مقاله بأننا فزنا معه بآلاف الريالات ونحوها، ولكن لسان حاله يقول (لقد فزت معنا بسرقة رصيدك).