هذا هو المقال الحادي عشر في سلسلة مقالات آلية عمل الصحوة اليوم«، وهو الجزء الثاني من استعراض ما جاء في محور الطرح السياسي، من» دراسة نحو فضاء جديد للدعوة، 2001«، وفي هذا الجزء طرح سؤال حول جدوى الحوار مع أصحاب النفوذ، الذي جاءت إجابته برأي غالبية العينة، أن هناك جدوى كبيرة، وفوائد لا تحصى للحوار مع أصحاب النفوذ، وأجملت الدراسة هذه الفوائد بالتالي: توفير خلفية جيدة عندهم عن أهل الخير -أي الصحويين- وإقامة الحجة والإقناع وإيصال الحقيقة للمسؤول، وترغيب بعضهم في الإسلام والالتزام بشرعيته، وكذلك الأمن من شرهم، والتعرف على ما عندهم وفهمهم على حقيقتهم، والاستفادة من نفوذهم، وسد الطريق على المشوشين وبطانة السوء. وعلى رغم كل ما ذكر حول ضرورة هذا الحوار وأهميته، فإنه ومن خلال العينة من يرى أنه لا جدوى من هذا الحوار، وخصوصاً في الظروف الحالية -زمن الدراسة عام 2001- وأنهم ليسوا في حاجة إلى دليل جديد على الفيتو (حق النقض) ضد المشروع الإسلامي، كما أن بعض من رأى عدم جدوى الحوار مع أصحاب النفوذ، مبرراً ذلك بأن صاحب النفوذ الحالي لا يرضى بتسمية استجدائه حواراً، بل هو حاكم يفتح صدره للسماع من أحد الرعية فحسب، ولا يوجد من هو ند له حتى يحاوره. وفي سؤال عن تقييم نتائج الخلاف بين الإسلاميين والحكومات في المرحلة السابقة، أجابوا بأن الخلاف بين الحكومات والإسلاميين في المرحلة السابقة، كان له عدة نتائج سلبية على مسار العمل السياسي، وكان من أهم هذه النتائج تعميق الريبة في نفوس الحكومات، حتى باتت تفسر أي منشط ولو كان أبعد ما يكون عن السياسة، بأن وراءه أهدافاً سياسية، وأكدوا أن ثمة سوء فهم، أدى إلى استخدام صاحب العصا عصاه الغليظة بشكل أعمى، وأن نتائج هذا الخلاف فيها كثير من التعسف والجور من قبل الحكومات. وحول مسألة تأثير الخلاف بين الإسلاميين والحكومات على الدعوة، أجابوا بأن ذلك قد أوجد تيارات متطرفة، ضمت أحياناً أفراد المجتمع إلى الحكومات في حربها -أي على الصحوة- وأعاق محاولة المشاركة في اللعبة السياسية، ولو من وراء ستار، وهذه المحاولة المعاقة تفسر بوضوح مغزى إخراج مذكرة هزيلة بائسة، عرفت (بمذكرة النصيحة، يوليو 1992). وأقر عدد من المستفتين أن الإسلاميين بجملتهم لا يملكون رؤية واضحة، وأن الخلاف كان عشوائياً بين الطرفين، واستطاعت الغوغائية أن تجد طريقها، مما أدى إلى اختلاط الأوراق، وضياع معالم الخلاف، وفوت فرصة استثمار المرحلة السابقة. واعترف بعض أفراد العينة أن كثيراً من أعمال الإسلاميين، ومواقفهم المبنية على الاستعجال، والنظر القصير، وعدم تقديرهم للظروف المحلية والدولية، كان سبباً في الخلاف والمواجهة. وفي ضوء ما سبق رأى عدد من أفراد العينة أنه مع كون الخلاف يأتي ضمن سنة الصراع بين الحق والباطل، وأنه لا بد منه، لانحراف عدد من تلك الأنظمة عن شرع الله، فقد كان من الممكن تأجيل المواجهة، أو تحويرها، إذ إن الاستعجال حمل تلك الحكومات على التصدي لكل ما هو إسلامي، بما تملكه من وسائل عسكرية واقتصادية وإعلامية وغيرها، فانقسم الإسلاميون، واتفقت الحكومات، فكسب الإسلاميون الجمهور، وكسبت الحكومات الملعب، وعلى المدى البعيد فالجولة للأذكياء طويلي النفس، هكذا يرى الدعاة الأمر، ملعب ومكسب وخسارة، وخلاف واتفاق، ومصلحة ومنفعة، ولذلك أكدوا أن من إيجابيات هذا الخلاف، إعطاء الدعاة جاذبية، لا يمكن أن ينالوها إلا إذا كانوا في المعارضة. وترى الدراسة أن هذا الصراع بين الحكومات والجماعات الإسلامية خلف آثاراً سلبية، يمكن تلخيصها، بانحراف بعض الدعوات عن خطها، وتخليها عن ثوابتها، وفقدانها كثيراً من شعبيتها وصدقيتها، وأما التأثير الإيجابي فيتمثل، بقيام الدعاة بإعادة تقييم المواقف، وتصحيح المسار، والاستفادة من أخطاء الماضي، والاتجاه إلى العمق، والبعد عن السطحية والتعجل والارتجال، وتحديد مكان الخلل، وعوامل الضعف، والعمل على تلافيها، وبالمجمل فإن الدعوة -في نظرهم- خسرت مواقع ومنابر، كما خسرت كما، وكسبت كيفاً، بنضج التجربة السياسية لديها، ولا أعلم عن هذه التجربة السياسية التي نضجت، إلا أنها مجرد مشاغبات ومراهقات على قاعدة» أنا ومن بعدي الطوفان». ويظهر في الدراسة نوع من الأسى على نوعية الأتباع، ومدى متانة تربيتهم، والذي لخصتها بتداول المعلومات الخطأ، والاتكاء الوهمي على (الكثرة والحشد) أي كثرة الأتباع والمحبين، وبنظرة معاكسة لهذا الرأي، ثمة صوت جعل الأتباع ضحية لاستعجال القادة، وأنه كلما نشأ جيل جديد، ساقوه للقتل بغبائهم، ولهذا رأينا أن الحكومات بدأت تستبعد من مواقعها من تحس أن له حركة، فخسرت الدعوة جملة من المواقع. وبشكل عام ترى الدراسة، أن الخلاف بين الإسلاميين والحكومات في السنوات العشرين الماضية كان له أثر كبير على الدعوة، وعلى نظرة الشعوب للدعاة سلبياً وإيجابياً. هذا المحور، حاول معالجة موضوع الحريات السياسية، وخلصت من خلاله الدراسة إلى أن الأوضاع القريبة القادمة -وقت الدراسة- ستساعد على مثل هذه المعالجات، وإن كان بعض الدعاة يرى أن ذلك لن يتم في القريب العاجل، وأن الأمر يختلف من بلد إلى آخر، وستكون للقوى المحلية مواقف مختلفة، لأن الرؤية غير واضحة، ومصالح القوى الخارجية هي التي ستحدد موقف القوى المحلية. واختلفت الآراء حول اتجاهات حشد القوى الإسلامية تجاه المطالبة بالحرية السياسية في العالم الإسلامي، فمنهم من يرى الاستحسان في أن يتحول ذلك إلى مطلب وطني وليس إسلامياً فحسب، وإيجاد أوضاع دستورية، تساعد على ذلك، كما جرى في إيران والسودان، بمعنى أن نموذج الثورة الإيرانية، والانقلاب السوداني، حاضر في أذهان القوم من السنة الأولى في قرن التغيير -القرن الحادي والعشرين- ولذلك اعتبروا أن الحوار مع أصحاب النفوذ وسيلة من الوسائل للوصول إلى ذلك. وعلى رغم هذا الانفتاح الظاهري على أصحاب النفوذ -كما يقولون- فلم ينسوا تأكيد المقاومة السلمية من خلال الدعوة والتربية والتعليم والبناء، وإذا سنحت الفرصة باستخدام النقد السياسي، فليس هناك مانع، وللحديث بقية.