لم ينكر أحد في العالم العربي من طبقة المتعلمين والمثقفين ما بذله أصحاب المطبعة الكاثوليكية، والآباء اليسوعيون في لبنان من جهود جبارة في خدمة اللغة العربية، وهذه كتبهم المتداولة تنطق بهذه الحقيقة المشهورة في أكثر بلاد الشرق. وقد أخرجت هذه المطبعة - حديثا - سفرا علميا دعته «منجد العلوم» تفريقا له عن منجد اللغة المعروف، وهو عبارة عن كتاب مستقل طبع كملحق للمنجد، وقد تناول تراجم المشهورين، وتعريفات للعلوم، وجولات قصيرة في التاريخ، فكان بمنزلة دائرة معارف صغيرة قد لا يستغني عنها كاتب أو طالب أو مثقف، وهو تأليف «الأب فرناند توتل» أحد أولئك الآباء اليسوعيين، وهو موصى عليه بهذا من مؤلف المنجد، كما سجل ذلك في المقدمة. تناولت هذا المنجد الجديد، أو هذه الدائرة العلمية الصغيرة للاطلاع والإحاطة، والتعرف والنقد، فإذا بي أمام سفر قيم مفيد أثير باقتنائه وهو على قلة صفحاته، وهي من القطع المتوسط، جامع لكثير من ضروب المعرفة حديثها وقديمها. ولكن هذا الكتاب لم يسلم من النقص والخلل، وقل أن يسلم عمل عظيم من الخلل فسبحان من له الكمال المطلق. وقد خضع هذا الكتاب لهذه القاعدة، وهأنذا أميط اللثام عن مواضع نقصه وخلله لا تعاليا عليه ولا إنقاصا من قيمته العلمية ولكن غيرة على هذا الأثر النفيس أن يشوه حسنه بهذه الأخطاء التي أرجو أن يكون العامل الأساسي في وجودها هو السهو أو العجز عن الوصول إلى الدقة المبتغاة لا عامل الغرض أو التعصب للمذهب الكاثوليكي كما يتسرب إلى ناقدي الآباء اليسوعيين والمستشرقين الأجانب من المرسلين الأمريكان وإضرابهم ممن تصدوا للبحث العلمي ولخدمة الآداب واللغة والثقافة العامة. في هذا الكتاب ألفاظ مشكولة بالغلط توضع عليها الضمة مثلا مكان الفتحة والفتحة مكان الكسرة وهكذا، ومن هذه الألفاظ - على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر فهي أكثر من أن تحصر - «بقيع الغرقد» وهي المقبرة المعروفة بالمدينة المنورة فقد شكلها صاحب الكتاب بصيغة التصغير وحقيقتها غير ذلك. فهي بصيغة الصفة المشبهة على وزن رفيع وسعيد وعزيز، و«البنجاب» شكلها بضم الباء وصوابها الفتح فالبنجاب مقاطعة معروفة في الهند ويدل على أن صحتها بفتح الياء أصلها الهندي فهي كلمة مركبة من لفظتين: بنج، بفتح الباء بمعني خمسة و«آب» يعني ماء، وهي تشير إلى الأنهار الخمسة التي تنبع وتعبر في المقاطعة وفيما حولها من البلاد، وإذن فلا معنى للتشكيل بالضم. وجاء في سرد الجرائد المعروفة في العالم أن في مكة جريدة اسمها «الحجاز» مع أننا لا نعرف في مكة جريدة بهذا الاسم فاسم الجريدة الرسمية «أم القرى» والأهلية «البلاد السعودية» وكان اسمها سابقا «صوت الحجاز» لا الحجاز. وجاء في ترجمة الفارابي أنه تعلم الفلسفة على علماء النصارى، وهذا شيء لم يثبت في التاريخ، ولو ثبت في التاريخ لكان خاليا من أي دليل يشير إلى تأثر فلسفة الفارابي بعقائد علماء النصارى - الأمر الذي يوهم به تعبير المؤلف، لأن فلسفة الفارابي أبعد الأشياء عن هذه العقائد، وفي مقابل هذا نشم من الكتاب رائحة نفي التأثر من علماء النصارى بعقائد المسلمين فقد نفى تأثر «يوحنا الصليبي» المتصوف المسيحي بعقائد متصوفة العرب المسلمين في إسبانيا (الأندلس) وأخذ يداور في التعبير لكي ينفي هذه الحقيقة أو يبعدها عن الأذهان رغم أنها معروفة ثابتة. 1957* *كاتب وشاعر سعودي «1902-1980».