هل بوسع المرء توفير متاعب الخوض في الكثير من طرق الحل عديمة الجدوى عندما ينظر إلى الأمور والظروف التي تسبب له المتاعب؟ هل بإمكاننا استعادة نشاطنا وحيويتنا لمواجهة متاعب الحياة عندما لا تسير الأمور على ما يرام؟ طرف من أسئلة ، تخامر أذهاننا ونحن سائرون في دروب الحياة ، فيحيلنا ( فرنر كورل) لكتابه ( اكتشاف طبائع الناس وطرق التعامل معهم / تطبيق علم النفس في مكان العمل وفي الأسرة) لنعثر على بدء إجابات عبر منظار علم النفس عندما نستفيد من الحقائق والخبرات والمدركات المستخلصة في هذا المجال. يذهب(كورل) إلى أن الاهتمام بعلم النفس وتطبيقاته لا بد أن يثمر ولو جزئياً تغيراً إيجابياً في سلوك الإنسان. وبناء على هذا الأساس يقدم كورل عشر قواعد عملية من شأنها أن تساعد الفرد في المحافظة على صحته النفسية والروحية. القوى المحركة للحياة يتناول الكتاب عبر فصوله ظاهرة "الصراع" مشكلة العصر ، كيف ينشأ وما هي تأثيراته؟ متطرقا للإحباط، عادا إياه أحد أهم أسباب العنف، وحالات الصراع التي لم يتم حلها والعنف المحتقن الذي تسببه والتي قد تؤدي إلى اضطرابات صحية ذات منشأ نفسي، وابرزها صراع الدوافع، إضافة إلى مقارنة تجارب صراع الدوافع لدى الحيوان مع صراع الدوافع عند الإنسان، طارحا سؤالا جوهريا عما إذا كان حل صراع الدوافع يتعلق بالذكاء؟ كما يشرح ويحلل تفاصيل الإجهاد والعصاب و الهوس و الرهاب والكآبة والسلوك الشاذ، ويستعرض الشخص العصابي ، موضحا أنه إنسان يحتاج إلى المساعدة ، واصلا إلى أن التطلعات والحاجات والدوافع هي أسس الوجود البشري، دوافع الإنسان الأساسية وإمكانيات تحفيزه ، الحفز كنتيجة للغرائز والشهوات ، وأن دوافع الإنسان الأساسية هي القوى المحركة للحياة. بناء المواقف الإيجابية هل الإنسان نتاج بيئته أم نتاج صفاته الموروثة؟ هو واحد من الأسئلة الكبرى التي يناقشها الكتاب ، ذاكرا أن تطور الإنسان يتأثربصفاته الموروثة وبالبيئة المحيطة به في آن معاً ، مؤكدا أن للتربية تأثير منطقي ومفيد على الفطرة والبيئة ، وأن مرحلة الطفولة هي مرحلة التبعية المحتومة، كما أن لترتيب الطفل بين الأولاد في الأسرة أثر في تكوين شخصيته، وأن أي شكلة تربوية في مرحلة الطفولة المبكرة، لها تأثرها ، مستشهدا ب ( عقدة أوديب )، موضحا العلائم الاجتماعية والجسدية والنفسية لنضوج الطفل واستعداده للذهاب إلى المدرسة، وأثر الولوع بالسحر والقصص الخرافية في سن الطفولة ، واصلا غلى أن التربية الحقة هي مجرد مساعدة للاعتماد على النفس، فالتربية باختصار هي بناء المواقف الإيجابية في الحياة . الناس كانوا يغنون الموسيقى وجه خاص ومميز من أوجه الحضارة الإنسانية ، تشير هذه العبارة إلى واحد من أجمل فصول الكتاب ، وهو يبحث في تفاصيل ( الموسيقى والحالات المزاجية، الأثر السيكولوجي للموسيقى على حالتنا النفسية، علاقة الحس الموسيقي للإنسان بمشاعره وبأدائه ،والإمكانيات التربوية للموسيقى) . ويرى الكتاب أن هناك( العديد من الدلالات على أن الموسيقى، ولو في شكل بسيط يختلف عن شكلها الحالي، كانت على الدوام جزء مهما من الحياة الإنسانية. وحتى آثار ما قبل التاريخ تدل على استعمال الإنسان لأدوات موسيقية بسيطة). صحيح أن الأثر الفعال للتناغم، وهو إصدار علامات موسيقية متعددة ومتناغمة في الوقت ذاته، لم يكن معروفاً في العصور القديمة، أي إن الناس كانوا يغنون أو يعزفون ألحاناً بسيطة ودون مراعاة قوانين التناغم المعروفة في يومنا هذا، إلا أن الموسيقى في شكلها الأساسي كانت موجودة منذ الأزل. إيقاظ أقوى المشاعر قد تكون البشرية قد طورت قدراتها الموسيقية على مر العصور كما يطور كل إنسان قدراته الموسيقية الخاصة في مراحل حياته المختلفة. فالطفل الصغير الذي يكتفي في بداية حياته بإصدار ألحان بسيطة لا تتعدى السلم الخماسي للنغمات ليعبر من خلالها ودون وعي عن حالات عاطفية معينة، يطور قدراته شيئاً فشيئاً مع مرور الزمن ليصبح قادراً على استيعاب وفهم الجمل الموسيقية المعقدة. عندما يحاول الطفل الرضيع تكرار أن يمسك ب ( شخشيخته) التي تصدر صوتاً محبباً على قلبه أو يطور" ألحان مناغاته شيئاً فشيئاً، فإن ذلك الدلالة أخرى على أن الإنسان يمتلك التعبير والاستيعاب الموسيقى منذ ولادته. ومهما تكن درجة تطور الاستيعاب الموسيقى لدى الإنسان متدنية أو متطورة، تبقى الموسيقى المنبه أو المثير الأقل قابلية للإدراك الحسي بين جميع المنبهات التي تمتلك قدرة هائلة على التأثير في النفس البشرية. الحنين إلى الطفولة مع أن الموسيقى، بخلاف المؤثرات الأخرى الأكثر مادية نحو الصورة أو التمثال، تختفي بعد سماعها، إلا أنها فريدة بين المؤثرات الأخرى في قدرتها على إيقاظ أقوى المشاعر في داخلنا وبوسعنا الادعاء علاوة على ذلك أن جميع حالات الإنسان الشعورية والمزاجية تتحول في أشد وأعظم درجاتها إلى إنتاج موسيقي. في مبحث ( الأثر السيكولوجي للموسيقى على حالتنا النفسية) يتعرض الكتاب لذكر( الأغاني التي حافظت على رواجها لعشرات الأعوام) لافتا إلى أنها تذكر البالغ بطفولته وتشعره بالسعادة. ويقول ( بإمكان كل منا أن يجري تجربة شخصية بسيطة ليشعر بهذا الأثر بنفسه. فإذا استمع الإنسان البالغ ألحان اسطوانة قديمة تحتوي على بعض الأغاني التي اعتاد على سماعها في طفولته، فإنه سيشعر بكل تأكيد بنوع من الحنين إلى الطفولة السعيدة، وسيتذكر أناساً تعلق بهم في طفولته وأحداثاً كانت مليئة. عشر قواعد لإدارة الحياة إذا ما تساءلنا في نهاية المطاف عن الطريقة المثلى التي نستطيع بمساعدتها تطبيق ما تعلمناه سابقاً من حقائق عن الشراكة وعن المجالات الأخرى لعلم النفس التطبيقي على إدارة حياتنا الخاصة بالشكل الذي نحافظ فيه على صحتنا النفسية كما نحافظ على صحتنا الجسدية، فإننا نستطيع القول بأننا عندما نحاول أن نسلك السلوك السليم في المجالات التي عالجناها في هذا الكتاب، فإننا نكون قد حققنا أثراً إيجابياً بالغاً. ويا للأسف، لم يعد الإنسان في هذا العصر قادراً على الاعتماد على غريزته في ضمان تعامله السليم مع الآخرين من الناحية السيكولوجية، بل إنها لمن الخصائص المميزة لهذا العصر الذي نعيش فيه أن الإنسان قد فقد ثقته بغريزته وأصبح مجبراً على الاعتماد على عقله الواعي وفهمه العقلاني للحقائق السيكولوجية عن الطبيعة الإنسانية، لكي يبتعد في تصرفاته وردود أفعاله عن الخطأ والاضطراب وعدم الاتزان. اهتمام الإنسان وانشغاله بالمجالات التطبيقية لعلم النفس يقوده إلى فهم أفضل لذاته يبرر اعتقادنا بأن الاهتمام بعلم النفس وتطبيقاته لا بد أن يثمر ولو جزئياً تغيراً إيجابياً في سلوك هذا الإنسان. لضمان صحة نفسية على الإنسان : 1 - أن يؤسس ويرعى علاقة ثقة حميمة واحدة على الأقل مع إنسان آخر. 2- أن يسعى إلى معرفة دوافعه الأساسية وإلى إرضائها. 3 - أن يحافظ على صحته الجسدية كقاعدة لصحته الروحية ولبنية استقراره النفسي 4 - أن يسعى إلى تأمين قدر كاف من وقت الفراغ للراحة والاسترخاء والاستجمام 5 - أن ينظر بواقعية وموضوعية إلى المشاكل التي تعنيه مباشرة، وأن يتخذ منها مواقف بناءة. 6 - أن يسعى إلى تنظيم يومه وفق مخطط يضعه بنفسه وأن يملأ وقته بنشاطات مجدية 7- أن يحاول توسيع مجال تحمله للإحباط قدر الإمكان. 8- أن يعرف قدراته الذاتية ويعي حدودها جيدا. 9 - أن يسعى إلى اتخاذ موقف إيجابي من جميع نشاطاته. 10 - ألا ينسى أن روح الفكاهة واحدة من أهم المتطلبات الأساسية لضمان الصحة النفسية فيرنر كوريل ( 1928 - 2018 ) عالم نفس ألماني تخصص في علم النفس السلوكي والتحفيزي والتعليمي. أستاذ في علم النفس التربوي في جامعة جيسن ترأس معهد التعلم المبرمج في الجامعة. درس في جامعة هارفارد في كامبريدج (ماساتشوستس). باحث في جامعة البحوث التربوية الدولية في فرانكفورت محاضر في برنامج تدريب المعلمين في فورتمبيرغ حتى عام 1960. طور آلة لتعلم القراءة بناءً على النماذج الأمريكية . إصدارات: التعلم المبرمج والتفكير الإبداعي.1965. جوانب جديدة من أصول التدريس الإصلاحية. 1964. علم نفس التعلم: أسئلة أساسية وعواقب تربوية. 1963. إصلاح الفكر التربوي: مقدمة لأفكار جون ديوي حول إصلاح المدرسة. صعوبات التعلم لدى أطفال المدارس. 1962.