كان حديثنا في مقالين سابقين، عن الأوقاف وتعريفها وأنواعها والتجارب العالمية، وعن الأوقاف في المملكة العربية السعودية، التي لها أنواع عدة منها أوقاف عامة تتبع الهيئة العامة للأوقاف، وأوقاف ذرية للورثة، وأوقاف خيرية أهلية، وأوقاف الجمعيات الأهلية الخيرية، بأغراضها المختلفة، كذلك هناك الصناديق الوقفية. من أجل ذلك أنشأت الدولة هيئة خاصة بالأوقاف لإدارتها، وحل مشاكلها وتطويرها، وللحكومة دور كبير في هذا المجال من خلال الرقابة، وإصدار التراخيص، والتدخل لحل المشكلات أو الخلافات، والإعفاءات الضريبية، وقد يكون أيضا من خلال الدعم المالي. وتتعرض الأوقاف لمشاكل وصعوبات مثلها مثل غيرها من القطاعات، ومن مشاكلها تدني مردودها المالي وتحولها من مصدر للدخل إلى عالة على أصحابها، وغياب الإدارة الحكيمة، وخلافات بين أصحابها ونظارها، وقصور القوانين والتشريعات، وصرف العوائد في غير الأوجه المحددة لها، والاعتداء على الوقف، وارتفاع تكاليف تنظيمه وإدارته والإشراف عليه، ومشاكل خاصة بناظر الوقف. ولتطوير صناعة الأوقاف لا بد من تنفيذ عدة إجراءات، منها تسهيل إجراءات تأسيس الجمعيات الوقفية، ومنها ما يختص بتنظيم الوقف نفسه، كالحفاظ على أصله، وتخصيص جزء من العوائد لتوزيعه حسب الشروط، وجزء للصيانة، وجزء لتوسيع الوقف وتنويعه، وإعادة استثمار هذا الجزء في مجالات جديدة. ومن الإجراءات كذلك اعتماد مزايا تشريعية وضريبية، وتسهيلات في الإجراءات الحكومية للأوقاف، مع الاهتمام باختيار ناظر الوقف ومجلس النظار وإجراء حوكمة ومراجعة داخلية وخارجية قوية ومستقلة، مع استقلال المدير المالي أيضًا بحيث لا يتبع ناظر الوقف. ومن الإجراءات تعزيز الشفافية والإفصاح، وتنفيذ دراسات جدوى لاستثمار الأوقاف وتحديد الأهداف الاستثمارية، والتحوط، ومراقبة الأداء، وتعديل السياسات حسب ظروف السوق، وتنويع الأصول بين المخاطر والمعتدل والمتحفظ، والاهتمام وتطوير سياسة التوزيعات، والتوسع، والمصروفات، والمستهدفون بريع الوقف وغيرها، والمساهمة في إنشاء معاهد متخصصة لتخريج كوادر الأوقاف، وعمل الأوقاف للأيتام والحرفيين والعاطلين ودعم أصحاب الأفكار الجديدة والمشاريع متناهية الصغر، وعمل أوقاف دراسية لأصحاب التخصصات الدقيقة والأبحاث الطبية والعلمية، وأوقاف الإسكان للإغاثة. وأكثر الأوقاف لدينا هي عقارات، وهذا يضع على عاتق الهيئة عناءً إضافيًا لمحاولة تغيير النظرة للأوقاف، لتنويعها وعدم حصرها في أصول ثابتة، وكذلك لتشغيل عدة قطاعات وإنماء الفائدة المرجوة منها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال نوع الوقف غير المقيد (وهو الذي يحدده مجلس النظارة)، وليس الوقف المقيد (محدد الهدف والصرف)، فلا بد أن يكون الوقف ناميًا شاملًا. أيضًا استغلال ما يسمى وقف النقود (وهو أن يخصص الإنسان جزءًا من دخله لإقراض من يحتاج ورده عند القدرة أو غيرها من المصارف حسب الاتفاق). ولا بد من نشر ثقافة الأوقاف من خلال اعتماد صناديق وقفية، وأسهم محددة يشارك فيها الناس بشكل شهري أو مرة واحدة، حسب الاستطاعة.