تحل علينا في هذه الأيام، مناسبة يوم المرأة العالمي، وفي هذه المناسبة نتذكر قضية مهمة، وهي تفعيل دور نصف المجتمع، بطريقة تتماشى مع هوية المرأة العربية، والتي كان لها السبق في المشاركة، في بناء الحضارة، ليس فقط كسياسيات، فأول ملكة في تاريخ البشر هي الملكة المصرية مريت نيت، التي حكمت قبل حوالي خمسة آلاف عام، وتطول قائمة الملكات في تاريخنا، مثل الملكة نفرتيتي التي كان لها دور كبير في انتشار دين التوحيد، كما حكمت في بلاد الرافدين ملكات كثيرات مثل: سميراميس، وحكمت في اليمن قديما ملكة سبأ المذكورة في القرآن الكريم، وحكمت المرأة أيضا بعد الإسلام مثل أروى الصليحية وشجرة الدر. إن للمرأة دورا فعالا في حضارتنا، ليس فقط كحاكمات، بل إن الدين الإسلامي قد ُأخذ منهن، فقد روى البخاري في صحيحه عن31 صحابية، وروى مسلم عن 36 صحابية، وروى أبو داود عن 75 صحابية، والترمذي عن 46 صحابية، والنسائي عن 65 صحابية، وابن ماجه عن 60 صحابية. وأيضا وبحسب كتاب جينيس للأرقام القياسية، فأول جامعة في العالم هي جامعة القرويين، التي أسستها فاطمة الفهرية مع شقيقتها مريم في القرن التاسع الميلادي. بينما في الزمان نفسه تقريبا، كان الحال مختلفا على الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، حيث كان هناك مؤتمر لمناقشة هل المرأة إنسان أم لا؟.. وخرج المؤتمر بأن المرأة إنسان، إنما خُلق فقط لخدمة الرجل! وهذه نتيجة أقل ظلما من نتائج سابقة. وكانت القوانين تضع المرأة في وضع بعيد من الآدمية في ذلك الزمان، عند كثير من الأمم الأخرى. نود اليوم الحديث عن بطلة من نوع آخر، غير السياسيات والشاعرات والفارسات، نود الحديث عن بطلة شبه غائبة عن ثقافة العقل الجمعي العربي، عن عالمة الفلك والمخترعة العظيمة مريم الإسطرلابية ابنة حلب، مخترعة الأسطرلاب المعقد: وهي آلة فلكية ونموذج ثنائي البعد للقبة السماوية، بعض العلماء اليوم يشبهون الأسطرلابات في ذاك الزمان بالحواسيب الفلكية في زماننا، و يستخدم الأسطرلاب لتحديد مواقع الأجسام السماوية، و أيضا لتحديد وقت الشروق والغروب وقياس بعد الشمس ومواقيت الصلاة، واستخدامات كثيرة أخرى. يقول الباحثون إن التطويرات التي أبدعتها مريم الإسطرلابية، تأكد بأنها كانت بارعة في الرياضيات والهندسة، وقادرة على حل معادلات معقدة جدا، وقد عملت في بلاط سيف الدولة منذ عام 944 حتى 967 ميلادي. ويذكر أنه في عام 1999 أطلق اسم مريم الإسطرلابية، على حزام الكويكبات الذي اكتشفه عالم الفلك الأمريكي هنري إي هولت، وكذلك تم تكريم عالمة فلك أخرى وهي فاطمة المجريطي، عاشت أيضا في القرن العاشر، تم تكريمها في 2009 من قبل الاتحاد العالمي لعلم الفلك، في احتفال مرور 400 عام لاختراع التلسكوب، باختيارها من ضمن ال12 عالمة فلك، اللاتي صنعن التاريخ. واليوم أصبح من المهم تسليط الضوء على قُدْوات من تاريخنا العظيم، لنساء ساهمن في بناء الحضارة، وظللن متمسكات بتراثهن وهويتهن العربية والإسلامية، من أمثال عالمة الرياضيات العظيمة ستيتة المحاملي، والتي إلى جانب أنها كانت عالمة رياضيات، كانت تحفظ كتاب الله كاملاً، وكانت تروي الحديث و كانت مفتية فقهية، بل إنها أصبحت مرجعاً لقضاة بغداد.