«الاكتفاء المادي للمرأة يعد من أسباب زيادة الخلع»، رأي للمحامية هيفاء الخطيب، انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، دفعني للتساؤل «هل الاستقلال المادي الذي أتى بعد تمكين المرأة، وتوسعة نطاق دائرة تكسبها الضيقة لتتعدد أمامها الفرص، هو وحده المسؤول عن ارتفاع حالات الخلع والطلاق، أم أن هناك أسبابا أخرى؟ في تقديري أن هذا أحد الأسباب وليس كلها، فسابقا كان العرف الاجتماعي يعطي الحق للرجل (كولي أمر) بمنع المرأة من العمل، أو يأذن لها، مع اعتبار أن العائد المادي، حقا له يملك حرية التصرف فيه سواء برضاها أو جبرا قد يصل إلى حرمانها من مالها، في ظل عدم وجود قانون يكفل لها حفظ واحترام خيارها في العمل أو رفضه. لم تنصفها القوانين بكف يد الرجل كولي عن التحكم براتبها أو إرثها أو مصادر دخلها، باعتبارها امرأة ليست مخولة بالتصرف في أموالها، ما أدى لعدم قدرتها الصرف على نفسها إن اتخذت قرار الانفصال، كان خيارا صعبا جدا بخاصة مع وجود أطفال، وبالذات للمرأة التي تنتمي لأسرة محدودة الدخل لا تستطيع الصرف عليها وعلى أولادها. من الأسباب التي أسهمت أيضا- برأيي- في ازدياد حالات الخلع أو الطلاق، صدور قانون الأحوال الشخصية الذي اهتم بأدق تفاصيل السلامة الأسرية التي لم تكن مراعاة من قبل، قانون أنصف المرأة/ الأم ومنحها الاطمئنان، وضمن لها وللطفل الحماية من سلطة الرجل وقوته المجتمعية في التحكم بالمرأة أو الضغط عليها بالأبناء لتعيش حياة تكرهها ولكنها مجبرة. التحولات المجتمعية والوعي بثقافة الحقوق والواجبات، لها أيضا تأثير واضح في الحفاظ على بيت زوجية متماسك الأركان، سواء من خلال إعطاء الزوجين فرصا لترميم تصدعاته أو أن يكون آخر الحلول هدم حوائط بيوت زوجية مهترئة الأساسات، قد يكون ضرر البقاء فيها أكبر بكثير من حلول الانفصال. ولا ننسى أن اهتمام الدولة- حفظها الله- بالأسرة وشؤونها، وبحقوق الأبناء في الحماية من أذى أبوين استحالت الحياة بينهما ولم يعد يربطهما إلا أبناؤهما أولا ثم المرأة ثانيا، من يتحمل نتائج ضغوطات بيوت هجرتها العاطفة والرحمة. ولكن مع القوانين والتشريعات الجديدة التي أحدثت تحولات في كل المجالات وركزت على المصلحة العامة، ووعت المجتمع بالحقوق لسلامة أفراده، أصبح الإقدام على قرار الانفصال بالخلع أو الطلاق سهلا، خصوصاً مع تغير نظرة شريحة مجتمعية كبيرة للمرأة المطلقة، التي جرأتها بالتالي على اتخاذ هذه الخطوة بلا خوف، لاطمئنانها على حقوقها وحقوق أبنائها. هذه بعض الأسباب وما زال في جيوب المسببات أكثر مما تستوعيه مساحة المقال. ولكن بقيت نقطة يجب أن يستوعبها المجتمع، الانفصال ليس نهاية العالم، واتجاه المرأة للخلع إن تعذر الطلاق بطريقة راقية حق لها، فلو لم يكن حلا أسريا ناجعا لكثير من الحالات، لما شرعه الله، سبحانه وتعالى. وما نراه في وسائل التواصل من لوم أو انتقاص أو تحميل المرأة مسؤلية التفريط بالأسرة، فهذا باطل يجب ألا نعززه، وليتذكر هؤلاء أن الحفاظ على أسرة متماسكة، مسؤولية مشتركة، ولكن إن تخلخلت أركان البيئة الأسرية السليمة أو هددت ضغوطات المشكلات الزوجية سلامة المرأة النفسية، ربما يكون الخلع حلا. وعلى من يحمل المرأة مسؤولية هدم البيوت بلجوئها إلى الخلع عندما يجبرها الرجل على ذلك، أن يتذكر أن بيد الرجل الطلاق بكلمة واحدة يحلف بها على أتفه الأسباب، قد تصل في تفاهتها لإكرام ضيف بوجبة عشاء، وهنا يرى بعض ممن يحمل المرأة مسؤولية الخلاص من عذاب زوجي بالخلع، يرى في تصرف الرجل الذي تجري كلمة الطلاق على لسانه أسهل من جريان الماء، يرى فيه رجولة! وهذا هو الخطأ الذي يجب أن نقف بوجهه، نحترم الحريات، ونعذر الفعل إن جهلنا المسببات، وبدل أن نتقاذف اللوم في وسائل التواصل الاجتماعي، علينا أن نكثر الحديث عن أشكال الانفصال الراقي وأدبياته، وحقوقه وواجباته حتى يكون الهدم خطوة يعقبها بناء سليم.