اختتم الملتقى الثقافي الثاني بنادي تبوك الأدبي أعماله أول من أمس بجلستين مسائيتين كانت أولاهما موعودة بحدة المداخلات التي واجهها مشاركو المحور الثالث "العنف في الخطاب الفكري وتداعياته". وبدأ الأستاذ بجامعة الملك سعود الدكتور عبدالله المعيقل بسرد ورقته التي عنونها ب"العنف في الخطاب الثقافي وتجلياته في الإعلام المحلي". وقال المعيقل "إن هناك دعوات للقتل بسبب الشعر، وتساءل هل هذه غيرة على الدين؟ مردفاً أن هناك من لا يتحاور بالأفكار وإنما بالألفاظ العنيفة وأن من يمتلك فكرا أحاديا يرفض فكر الآخر ثم يتحول الرفض إلى تخوين وتكفير، ولعل الفتاوى بالقتل أحد عوامل العنف، وأن هناك من يقدس الفتاوى ويعمل على تطبيقها. واستشهد المعيقل بقضيتين محليتين: الأولى عن الشاعر عبدالحكيم العوفي الذي كتب شعرا عن الممثلة لميس في المسلسل التركي سنوات الضياع، مورداً بعض التعليقات التي تطالب بالقصاص ضد الشاعر وأخرى تتبرأ منه، واستشهد أيضا بقضية الشاعرة حصة هلال الملقبة ب"ريمية" والتي هُددت بالقتل أيضا. وفي حديث ل"الوطن" حول ما دار من مداخلات بعد انتهاء وقت الجلسة حوله من بعض الحضور قال الدكتور المعيقل: ما حصل أنهم فهموني خطأ وتبادر إلى ذهنهم أنني أدافع عن السفور والتبرج، متابعاً "أنا أصلا لم أذكر كلمة السفور ولا التبرج ولم يكن الموضوع عن ذلك، ولكنني تحدثت عن شاعرة منقبة قالت قصيدة واستقبلت هذه القصيدة برد فعل عنيف في الإنترنت، وأوردته كمثال على وجود خطاب ثقافي عنيف، وأتيت أيضا بقضية عبدالحكيم العوفي الذي كانت له قصيدة أثارت ضجة وجدلا، ولم أمِل برأيي في كلا الحالتين إليهما أو ضدهما". وتحدث الدكتور زيد بن علي الفضيل في ورقته عن "التأثير السياسي على جدلية العلاقة بين الحقيقة والمجاز في خطابنا الفكري الإسلامي" وقال "إن الصراع على السلطة كان من أبرز منطلقات العنف الفكري حيث برز بصورة واضحة في فترات تاريخية عديدة وعمل المستبدون على تغليف مظاهر عنفهم المادي والمعنوي إزاء الآخر المخالف بأسباب دينية وثقافية مختلفة بهدف إيجاد المسوغ القانوني والاجتماعي لمختلف ممارساتهم العنيفة بغية تحقيق مآربهم السياسية. وأردف الفضيل أن الأمر لم يقتصر على العصر العباسي لكنه وبمرور الزمن امتد بحبائله إلى الجانب الفكري البحت ليصبح للقراءة الدينية الخاصة والفهم الأحادي للنصوص الإيمانية والذي أدى إلى استخدام العنف كوسيلة لإثبات منهجه، واستشهد الدكتور الفضيل بحادثة أمر الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك الذي غضب من آراء "الجعد بن درهم" الكلامية فأوعز لواليه في العراق يأمره بقتل "الجعد" فقتله ذبحا بعد نهاية خطبته قي يوم عيد الأضحى". وخلص الدكتور الفضيل إلى طلب إعطاء أنفسنا مساحة واسعة من إعادة التفكير والتأمل والنظر في ملفات الموروث الفكري برؤية جديدة بعيدا عن تشنجات القراءات السالفة التي كتبت وفق ظروفها الزمانية والمكانية. وحول ما حدث قال الدكتور زيد الفضيل ل"الوطن": إن البعض وجهوا إلي النصح بأن لا أخوض في هذه المواضيع وأنها لا تصلح للمناقشة، وأنا أخبرتهم بأن هذا ملتقى متخصص وفي هذه الملتقيات المتخصصة المواضيع كلها متاحة طالما أننا نسير وفق الضوابط الشرعية المتفق عليها ولم نخرج عن الثوابت. وأردف الفضيل "قضيتا قتل الجعد بن درهم وغيلان الدمشقي وظروف قتلهما هي التي أثارتا البعض على وجه الخصوص باعتبار أنهم يرون أن الاثنين مرتدان عن الإسلام وأن الحكم الذي نفذ فيهما كان صحيحا ولكنني لم أناقش الردة لديهما ولم تكن قضيتي ولكنني ناقشت طريقة العقوبة وأسلوب التنفيذ لأنها تخالف ما تنص عليه الشريعة الإسلامية بشكل كلي. قبل ذلك طرحت الشاعرة والكاتبة هدى الدغفق ورقتها "واقع المرأة المثقفة في المؤسسات الثقافية السعودية". وذكرت الدغفق أن هناك عددا من المثقفات تركن العمل الثقافي بسبب رفض العائلة أو القبيلة وتلمست في خطابها ما تعانيه المرأة السعودية المثقفة الآن. وشارك الدكتور أسامة محمد البحيري ب "نماذج من خطاب الأنثى في التراث العربي". وتواصلت جلسات ملتقى نادي تبوك الثقافي الثاني بعد صلاة المغرب مساء أول من أمس، ناقش خلالها المشاركون المحور الرابع: "واقع المؤسسات التعليمية ومخرجاتها"، والمحور الخامس "وسائل الإعلام والخطاب الثقافي". وبدأ الأستاذ بجامعة الملك خالد بأبها الدكتور صالح أبوعراد بورقة بعنوان "نحو توجيه إسلامي للخطاب التربوي المعاصر في ضوء التفاعل الثقافي مع الآخر" إلى أن تجربتنا الحضارية في تفاعلنا مع الآخر قد مرت بمرحلتين تاريخيتين مهمتين كانت أولاهما في العصر العباسي والأخرى في العصر الحديث. وذكر الدكتور صالح بأن المرحلة الأولى كانت تلقائية ومتواكبة مع نضجنا الحضاري ومقتضيات الحركة التاريخية، كما اتسمت بأنها كانت تاريخية حيث كانت الأمة المسلمة في حالة الهيمنة الحضارية تتفاعل مع ثقافات الآخر باختيارها أما المرحلة الراهنة فقد تميزت بكون الأمة الإسلامية في موقع المتلقي لا المنتج والمهيمن. أما الأستاذة بجامعة تبوك الدكتورة مريم محمد الأحمدي فقدمت ورقة بعنوان "هندسة مناهجنا التعليمية لتشكيل خطاب ثقافي يواجه تحديات العصر". وقالت الأحمدي إن التربية تشبه علم الهندسة في كثير من المجالات فهي تهتم بهندسة الإنسان ولذلك ينبغي أن نأخذ منها بعض الأنماط السلوكية في أداء وظائفها التعليمية وتعديلها وتطويرها لتكون أداة طيعة في النظام التربوي لتعديل سلوك المواطن العربي أو هندسته نحو الأفضل لمواجهة تحديات العصر. وتابع عضو مجلس إدارة نادي حائل الأدبي الدكتور علي حمود العريفي في تقديم ورقته التي بعنوان "مستقبل التعليم في بلادنا"، ذكر بأن المؤسسات التعليمية لا تعمل بمعزل عن المجتمع بل إن المدرسة الحديثة في مفهوم المنهج التعليمي والمعاصر يجب أن تكون مؤسسة ثقافية وتربوية واجتماعية إلى جانب كونها مؤسسة تعليمية لتعمل جنبا إلى جنب مع مؤسسات التنشئة الاجتماعية . أما الدكتورة جميلة بنت حمود بن منقرة قدمت ورقة بعنوان "هيمنة الخطاب الثقافي الغربي على الإعلام وأثرة على الأمن الاجتماعي "حيث ذكرت وسائل الاتصال بأنها أضحت قوة طاعنة ومؤثرة في حياة الإنسان وتأثير الرسالة الإعلامية، مؤكدة أن القضية تكمن في كيفية مواجهة تحديات الخطاب الثقافي الذي يطرح من خلال وسائل الإعلام المتعددة.