التنقل بين المدن كان في الماضي القريب يحتاج إلى كثير من المعرفة بالطرق والمسارات التي توصل بين مكان وآخر، وهذه المعرفة تزداد أهميتها حين يكون التنقل داخل المدينة ذاتها، فالطرق السريعة على محدوديتها إلا أن مستخدمها يحتاج إلى معلومات ليتمكن من الوصول إلى وجهته، ناهيك عن الطرق الداخلية للمدن، والتي تحتاج إلى مهارة في تذكر كثير من المعالم، لتجنب التيه أو إهدار الوقت، في محاولة التنقل. التقنية الحديثة ساهمت بشكل كبير في حل مشكلة «الملاحة» داخل المدينة، وخارجها، فأصبح بالإمكان باستخدام أنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) لتحديد الموقع الحالي للشخص، ومن ثم رسم طريق له للوصول لوجهته، وأنظمة ال(GPS) هذه تحسنت عبر السنوات لتتحول من أجهزة مستقلة إلى تطبيقات يمكن تحميلها في الهاتف المحمول. غير أن المقارن بين أنظمة ال(GPS)، والطريقة التي كان الأفراد يستخدمونها في تحديد طرق التنقل، يجد أن هناك مفارقة مثيرة للاهتمام، وهي أن البشر يعمدون في وصفهم لطريقة التنقل بين نقطتين داخل المدينة، إلى ربط الطرق والمداخل والمخارج بالمعالم التي يمكن ملاحظتها على الطريق، بينما أنظمة ال(GPS) تعمد إلى وصف الطريق بأسماء الطرق والشوارع فقط، بمعنى أن أحدهم حين يعطي تعليمات الوصول لمكان ما داخل المدينة، بل حتى وخارجها، تجده يذكر عبارات مثل «بعد المبنى الأزرق انعطف يمينًا» أو «خذ المخرج بمجرد مرورك بالعمارة البنك الفلاني»، وهكذا يعطي الإنسان في عادة التعليمات للتنقل، وهذا على مختلف عما تقوم به التقنية، بل إن الأسلوب البشري، وبحسب ما نشر في مجلة علم النفس الإدراكي في العام 2004 تعد أكثر فاعلية من إعطاء تعليمات التنقل بالاعتماد على أسماء الطرق فحسب. ويكن يبدو أن الطريقة البشرية أو «الطبيعية» في إعطاء التعليمات، وعلى الرغم من إثبات الأبحاث بأنها أفضل في الملاحة، لم تلقَ طريقها إلى الواقع، إلا في العام 2021، حين قام الباحث رافاييل شومان (Raphael Schumann) مع البروفيسور ستيفن رايزلر (Stefan Riezler) بجامعة هيدلبيرج الألمانية (Heidelberg University)، حين قام الباحثان بالعمل على نظام توليد آلي لتعليمات التنقل، يقوم هذا النظام بأخذ معلومات خريطة التنقل بين نقطتين، ومن ثم يقوم بدمجها بمعلومات عن المعالم المتواجدة على الطريق، وبعد ذلك ينتج وصفًا للملاحة مشابهًا لذلك الذي يقوم به البشر. نظام تعليمات الملاحة الذي بناه الباحثان تم اختباره بمقارنته بتعليمات تم كتابتها بالفعل من قبل أشخاص حقيقيين، وقد وجد الباحثان أنه نتائج اتباع التعليمات المكتوبة آليًا تعطي ذات الكفاءة.