كل ما في الحياة قابل للمساومة إلا الوقت، فإن وضعنا آلاف الدولارات في استثمار معين وفشل، نستطيع أن نستجمع ما تبقى منه، وأن ندخل في استثمار آخر لينجح لاحقا ويعوضنا ما خسرنا، أو من الممكن أن يفيق ذلك الاستثمار من الخمود بعد وهلة وهو يعوضنا ما أضعناه، لكن إن وضعنا آلاف الساعات في شيء معين، لن يرجع لنا ذلك الوقت، وإن دفعنا عمرنا كله ثمنا له. فعندما تبدد وقتك فإنك تضيع المورد الوحيد الذي لا يمكن استرداده أو الإكثار منه، وعندما تستوعب قيمة وقتك، وتدركه حقا، ستعامله معاملة تليق به، وحينها فقط، ستبدأ باتخاذ القرارات الصحيحة. عندما تتيقن أن الوقت لا يعود، ستحاول أن تقضيه بأشياء ترجع لك شخصيا بفائدة، ستعدّه حقا كاستثمار.. ستقضيه بأشياء نافعة لحياتك وسعادتك وصحتك، ستقضي وقتك لك أنت أولا، باستثمارات تعلم أنها لن تكون مضيعة أبدا. «العبرة في استثمار الوقت وليس مجرد إنفاقه».. ستيفن آر كوفي. إهدار الوقت فيما لا يعود علينا بأي فائدة يأتي بأيام خالية من القيمة، أي سنين من عمرنا التي لا تضيف لنا شيئا، وذلك من قلة الوعي، فعندما ننظر في الأمر نرى أنه حتى في ديننا الحكيم قيل في السنة النبوية عن الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه) وهذا يضع مسؤولية كبيرة علينا يجب إدراكها، فإهدار الوقت ابتلاء، وكثرة إهدار الوقت تؤدي إلى إنسان فارغ يبحث عما يملؤه، والفراغ من أقسى ما قد يمر به الإنسان. تبديد الوقت وإضاعته يأتي على هيئة أشياء كثيرة يجب إبداء الانتباه لها، مثلا الروتين اليومي الذي لا يخدمنا بشيء، الحزن الزائد عن اللزوم على موقف وإطالة وقته، إعطاء فرص كثيرة لشخص واحد دون أن يتغير، والعلاقات المؤذية كلها تعد تبديدًا للوقت، أيضا تكرار الأخطاء دون تعلم الدرس من المرة الأولى هو إضاعة للوقت وللعقل، وكذلك مرور الأيام دون أن نتقدم أو أن نضيف لأنفسنا بأي طريقة، كلها أشكال مختلفة من إضاعة الوقت وتبديده. الوقت إما أن يعلي وإما أن يسلي، وذلك كما تقضيه أنت، والسر يكمن في التنظيم، فلا بأس من التسلية ولكن مع وضع الأولويات. حاول أن تركز على ما يعلي، وأن تفعل ما يسلي بعقل، ففي النهاية، لا حياة دون ضحك ولهو ولا حياة دون صداقات وناس، لكن الحقيقة تقول إننا جميعا مراحل في حياة بعضنا البعض، فالأولوية يجب أن تكون لك أنت ولوقتك الذي تقضيه في الاستثمار لصالحك. التسلية إن زادت على اللزوم مردودها ضئيل على الأمد البعيد، ركز في وقتك، أدرك أهميته، استثمر في نفسك وفي ما يعلي منك (الآن وغدا) خير من أن تقضي جميع وقتك بغير المهم مما سيسرق من أيامك كثيرا من الوقت والجهد الذي من الممكن أن يرتقي بك إن استخدمته حق استخدامه، وازن ونظم أيامك، فإن وقتك أهم ما يمر، فكما يقال في المثل العربي (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك..). في الحقيقة بعدما نعرف قيمة الوقت سيصبح من الصعب جدا أن نبدده، أو حتى أن يجتاز أي شيء أو أي شخص الاختبار الذي سيسمح لنا بأن نستثمر وقتنا فيه ومعه، وسننظر للمواقف وللأشخاص بدقة، وسنبحث عن (الأعلام الحمراء)، وسنهتم باختيار الأشياء والأرواح المناسبة التي تليق بقيمة دقائقنا وأيامنا. «كل شخص لديه هبة الوقت، لكن قليل من يستخدمها» مارك سوني. لنستخدم وقتنا فيما سيخدمنا، لنعش في اللحظة ونقدرها حق تقديرها، ونختر بوعي الاختيارات التي ستحسن منا، الاختيارات التي ستدفعنا لأن نتقدم، ففي الحقيقة هذا هو المسار الصحيح، ولا تقع مسؤولية ذلك إلا على عاتقنا نحن، دوما يجب أن نتقدم، ولن يكون ذلك دون إعطاء الوقت قدره الحقيقي والتركيز فيما نقضي به أيامنا، لأن ذلك ما سيكوننا الآن وغدا، فروتينك هو مستقبلك. (إلا وقتي) يجب أن نصل إلى هذه المرحلة، أن نقدر هذه النعمة الإلهية ونحافظ عليها، أن نستوعب أن ما نقضي به أوقاتنا هو ما يكوّننا نحن، هو هويتنا، وأن نستوعب أن كل وقت مضى لن يعود! فلنعش كل لحظة بحكمة، ونتخير ما يليق بنا كأشخاص من أفعال ومن هوايات ومن أناس ومن تجارب. أدعو الله أن يملأ وقتي وأوقاتكم بكل خير.