«الموعودون بالشقاء لا ينجون»، مع الأسف لم أجد على لساني بعد جريمة قتل (وفاء) إلا هذه العبارة الانهزامية، فرغم كل ما تفعله الحكومة لتكريم النساء وتمكينهن واعتبارهن بشرا، لهن الحقوق الإنسانية كافة، كمكون أساس في المجتمع، إلا أن عوامل أخرى، لها قوة تفوق أي قوى، ما زالت تهزم العديد من النساء وتسحقهن، وتتخذ من أرواحهن رسالة اعتراض على حقوقهن الإنسانية، رسالة ممزوجة بالغدر والجبن والخوف في آنٍ واحد. يتساءل الكثير منا، كيف يمكن لزوج عاش مع زوجته لأكثر من عشرين سنة، أن ينهي حياتها بما يقارب من الثماني عشرة طعنة بسكين المطبخ، مقدمًا على ذلك بتحد وإصرار غيب عنه وجود أبنائه في مسرح الجريمة، وتجاوز الحياة التي جمعتهم، والود والرحمة التي ماتت في قلبه قبل أن يقدم على قتل زوجته، ويفجع الإنسانية بأكملها بطعناته الغادرة، بدءًا من غلق الباب لزوجة يعلم كل من حولها أنها كانت تعاني من فوبيا الأبواب المغلقة، وبتجاوزه لأيدٍ نالت في دفاعها عن نفسها جروحًا وطعون سكين القاتل بما لا يحتمله بشر، وباستكبار على صيحاتها وصراخها واستنجادها حتى تأكد له إزهاق روحها. أشياء كثيرة غابت عن مسرح الجريمة، وبحيرة الدم، فلا صلاة الفرض وصيام التطوع نهته عن فعله، أو خلعت الشيطان من أمام عينه، ولا هو بالمريض العقلي أو المتعاطي حسب ما عرف عنه، ولا هو الذي قابل سنين الإحسان والحب والحنان بما عومل به، بل كان مردود كل ذلك (العنف والقتل). لا شك إن لم تكن كل تلك الأسباب السابقة موجودة، فإن الخطاب المعادي للمرأة والكاره لتمكينها تمكن من تأسيس «بؤرة عنف» داخل بعض العقول، وأسس لنفسه قاعدة جماهيرية تعتصم اعتراضًا، كلما نشرت مواقع التواصل الاجتماعي قرارًا أو دعمًا من شأنه الاعتراف بالمرأة كإنسان له حقوق. والمؤسف أنه حتى الحقوق الشرعية، باتت المرأة تنازعها وتطلبها وتقتل دونها، بمجرد أن تطلب الخلع أو الطلاق، وهنا المشكلة الأعظم، حينما بدأت خطب ودعاة في مواقع التواصل بتشديد لهجة الخطاب الديني المتطرف نحو المرأة والتعنت ضد حقوقها الشرعية، ووصفها بأبشع الأوصاف، اعتراضا على ما شرعه الله لها بتجاهل نتيجة هذا الخطاب على الحالات المستحقة. مورس مثل هذا الخطاب بالسابق، وكان نتاجه أحزمة ناسفة وعمليات انتحارية وأبناء قتلة لآبائهم وأقاربهم. إذا كنا أمام حقبة جديدة من الإرهاب ونشر الفوضى واستخدام أجساد النساء اعتراضًا على قرارات كفلها لها الشرع والقانون فما هو الحل؟ قبل أن نصل لقانون حتمي يقضي بعدم الأخذ بالعفو والدية كنهاية رادعة لكل من تسول له نفسه اقتراف مثل هذه الجريمة، لأشخاص تم التلاعب في إعداداتهم الفكرية، وأوصلتهم لمرحلة اللا مبالاة والتنازل عن حياتهم من أجل عنصرية جاهلية مضى عليها الدهر وشرب. لا بد من تطوير قوانين الحماية والاستدعاء المعمول بها حاليا، ولا بد من ربط قضايا عنف المرأة بالنيابة مباشرة، وتجاوز العديد من الإجراءات القسرية والتقارير والقرائن التعجيزية لإثبات حقوق ضحايا العنف. من حق أي امرأة ترى في الطلاق أو الخلع حلا لمشاكلها واستقرارها، أن يجاب طلبها تحت حماية مشددة لها ولأبنائها، حتى نحد ما استطعنا من تكرار مثل هذه الجرائم. وباعتقادي لو أشركت مكونات المجتمع المدني والقبلي من مشايخ وعرفاء وعمد في تنفيذ برنامج إصلاحي وتوعوي ليطبقوه على أبناء القبيلة وبإشراف الحكومة، سيكون خطوة متقدمة في توضيح سياسة الحكومة ومنهجها، وخطوة تساهم في تسريع تقدم المجتمع. إضافة إلى منع كل مايزيد من احتقان المجتمع وتأليب بعضه على بعض. فما كفله الشرع والقانون من حق، لا يجوز التأليب والتحريض ضده، كما يحدث حاليًا من حملات الاعتراض ضد حق الخلع والطلاق، وبما يبرمج الإخوة والآباء ضد بناتهن وأخواتهن، وبالتالي استمرار العنف والذي قد ينتهي باستلام الابنة أو الأخت من ثلاجة الموتى.