دخل على الموقع الرسمي لحجوزات الطيران لحجز رحلة إلى الرياض، وجد مفارقة في الأسعار بين الخطوط والناقلين، ولكن اطمأنت نفسه لشعار الناقل الرسمي الخطوط السعودية، كلما هم بالدخول لموقع الحجز لكي يقتنص رحلة بسعر زهيد وجد أن محاولاته لا تصيب، بل تزيده بلاء وفاجعة بتغير الأسعار، وكلما اقترب من نهاية الأسبوع يجد أن الأسعار قد بلغت النصف زيادة في نصابها ولا مجال في المفاصلة، ويردد لا حول ولا قوة إلا بالله، ما هذه الأرقام أيها الجهاز؟ وكلما اقتربت الرحلة ازداد سعرها كيل بعير، قرر أن يكون الحجز بعد يومين خوفا من الزيادة، وعندما تم الانتهاء رحبت به رسالة من الخطوط -بدون سلام- في جواله، كانت رنتها بمكيال الذهب أن يدفع الثمن خلال ساعة تهديداً ووعيدا وإلا سوف ينتهي الحجز. فتح حسابه في البنك وجده قد بلغ النحول فيه مبلغ عظيم ما يجعل أرقامه تحتاج إلى أوكسجين وصدمات كهربائية، لقد غربت شمس ليلة قدره دفع الثمن ورحبت به رسالتين، رسالة تشعره بان رصيده لم يتبق فيه إلا ريال واحد، ورسالة أخرى ترقص طربا برقم تذكرة قد كانت أرقامها سلسلة متناغمة لا تتغير ولا تستبدل ولا تلتغي صماء بكماء. إن تخلف عن رحلتها ذهبت قيمتها للضعفاء والمساكين وابن السبيل وهو ليس منهم، ردد في نفسه عبارات الصبر. حان موعد الرحلة ورتب كل شيء وخرج إلى المطار خائفاً يترقب من قسيمة ترن في جواله لساهر أو غفوة عن ربط الحزام أو لوقوف خاطئ في ساحات المطار. أنزل شنطته وتدحرج عقاله، هناك عامل يرقبه لا يتحرك إلا بخمسة عشر ريالا، دخل صالة المطار وأخذ نفسا عميقا والناس في صفوف وزحام والعيون شاخصة إلى الشاشات والنداء يصدح بأرقام الرحلات وأرقام البوابات، ووجد الناس أشتاتا كأنهم إلى نصب يوفضون كل في همه وحمله وعفشه هذا يجر شنطته وذاك قد تأبط عصاته وآخر قد بعثرته نقطة التفتيش، وهو في عراك مع دوائه وجواله وقلمه وجزمته، وقد أدخلها في رجليه بعد عراك وعناء في بيته. وهذا يمسك على جيبه مازالت المحفظة يقظة يتعوذ من ضياعها، وهذا يلم بنطاله ويشد حزامه، وهناك شاب قد حلت الموضة في حلاقة رأسه وسرواله الذي فوق ركبتيه، وقد وضع الحياء والعيب تحت نظارته الداكنة، وهو في هواء الموضة نغمةٌ ترقص لها زيتونة وبباي، وهناك رجل قد انتصف عمره إلى الستين عاما، وقد نسف لحيته وشاربه حتى عاد كالعرجون القديم، وهناك بنت قد قاربت الثامنة عشرة من عمرها وهي مازالت دون سن البلوغ، سروال قد انتصف في ساقها حتى ذاب في الغرام، وهناك أطفال يركضون ويريدون أن يأكلوا ويشربوا والأسعار دخانها يثور لا تعرف الريال والريالين، بل الخمسة والعشرة والعشرين. جلس هذا المسافر يتحسس أغراضه وجواله لا يتوقف من رسائل الاطمئنان من أم العيال تتفقد أحواله، هل طلع الطائرة أم مازال في الانتظار، وتم تفويج المسافرين واحدا تلو الآخر إلى باب الطائرة، وكانت هناك ربكة ووقوف، قد أوقف الناس رجل يحاول أن يغرس شنطته بالقوة في أماكن العفش وهو في زفير النكد وتحته راكب يدعو الله أن ينجيه من وعثاء السفر، وهناك عائلة واقفة قد بان شتاتهم ويأملون في أن يجمع الله شملهم في مقاعد متجاورة، وهناك راكب آخر عيونه شاخصة في تفقد الركاب ويحاول قدر الاستطاعة أن يرجع كرسيه قليلا، ويحاول جاهدا أن يتربع في هذا المقعد حتى يستوي ويتأمل في الناس والجيران، ويسأل هذا وينظر للآخر كأنه وكيل عن منكر ونكير. إنه هوس يربك المجاورين ويربك الركاب.. وأتمنى أن تخصص الخطوط السعودية مكانا في الطائرة بجانب العفش مع حفرة مندي لمثل هؤلاء الزمرة وتجده يرعد ويزبد ثرثرة ومرة يقهقه ببجاحة بصوت مرتفع، وعندما تتمعن في وجهه قليلا تجده قد ملأ وجهه شارب وعوارض، وقد تجاوز الأربعين، وعندما يبتسم تجد أسنانه براقة ناصعة الجودة قد تزينت بجميع المأكولات البحرية والخضراوات وبقايا من عزيمة أكلها قبل عام مازال لحمها ممسكا بأسنانه شوقا وغراما، جلس هدا الراكب في مقعده قفلت الأبواب وسكن الركاب. بعدها رحب قائد الطائرة بالجميع، وبدأ في دعاء السفر الله أكبر.. الله أكبر.. سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، يلهث بالدعاء صوت رخيم يجعل مهابة السفر في سكون الاستسلام، ويبدأ ربط الأحزمة من مضيفين ومضيفات يركضون طمأنينة بين الركاب، وبدأ الناس في الاستعداد إلى الصعود إلى السماء، وبينما الناس مشغولة ومازال هذا الراكب في حديثه وبطولاته وتجده جعل الطرب ميزانا يضبط الأجواء، سحبا متراكمة تنعش السفر وتبعثر الذكريات أو يجتهد في لعبة في جواله، كل هذا وهو في كرسي الطائرة يموج، أين نحن أيها الضيوف الأعزاء، أي ثقافة يحملها هؤلاء الجهابذة، أي هدوء وسكينة استوطنت في نفوسهم وألجمت ألسنتهم، ماذا بقي للأطفال من صياح ونياح، وتجد آخر قد نزل عليه ببغاء الطرب وتفنن في جواله وأطلق سراح صوته بأغنية، إنه بلبل الصحراء يصدح بين النجوم بأجمل الألحان ينسجم الانشراح لها راحة وسكونا. أخي المسافر.. عزيزي ضيف الخطوط السعودية، يجب أن تكون مثالا راقيا في نفسك وأخلاقك ودينك وعلمك وثقافتك، اجعل الطائرة هي مجلس يعبر عنك باحترامك لخصوصيات الآخرين. اركب وأنت في كامل أناقتك وأن تنعم بالهدوء، هناك مسافر يريد أن يغفو، وهناك من يريد أن يطوي هم السفر، وهناك مسافر قد أنهكه التعب، وهناك مسافر قد أربكه خوف المطبات الهوائية، فلا تكن أنت الكآبة والوعثاء وسوء المنقلب في مقعدك، أين زمان الطيبين؟ أين الثقافات في الطائرات؟ كانت الطائرات تتزين بالصحف التي يتفنن الضيف في انتقائها، يقرأ الأخبار ويتفحص صفحاتها، وإن كانت الرحلة طويلة نبش عقلة فراسة في حل كلماتها المتقاطعة، أو تجده يحمل كتابا قد ابتاعه من المطار من أجل أن يستمتع بأجمل قراءة فيه، تنمي الفكر، وتجعل اللسان فصيحا والعقل صافيا جميلا، حتى تذاكر السفر فيها الرحمة والإنسانية للطلاب كانت الخطوط السعودية تحنو عليهم من عطفها وجودها، على الرغم بأن التذكرة كانت بثمن بخس مقارنة بهذه الأسعار اليوم، وكانت الرحلة فيها ما لذ وطاب من الوجبات المتنوعة، وفيها الصحف وكل الجرائد الورقية، ومناديل معطرة.. ماذا جرى أيها الناقل الرسمي، إلى أين أنتم ذاهبون بنا؟ ماذا حدث أيها العقلاء القائمون على هذه المؤسسة؟. أيها السادة الخطوط السعودية أنت الناقل الرسمي، الجميل الذي تطمئن قلوبنا راحة في رحلاتك، يجب أن تعاد صياغة الأسعار، هناك الفقير المعدم والضعيف المنكسر، وهناك من ساقته الظروف أن يرحل معكم لعلاج أو زيارة قريب، أعطوا الطلاب مميزاتهم السابقة، وأعطوا المسنين كرامتهم، وأعطوا كل من تجاوز الستين عاما خصما على رحلاتكم، واجعلوا الكرم لضيوفكم، اجعلوا من أبناء حاتم الطائي مديرا للتموين في الخطوط السعودية، يجب أن تكون الخطوط مثالا رائعاً في كل شيء. هناك خطوط طيران تعمل على رحلاتها ما كنتم تفعلونه في أيامكم الخوالي.