إننا بكل ما يملؤنا من هبات مضيئة وطرقات مجيدة تسير نحوها أقدامنا، بكل خطوة تعلو بنا وتحطنا بدرجاتٍ مرموقة تحفى بإعجاب الناظرين من حولنا، وبكل ما يدفعنا لترك توجهنا في زوايا زلاتنا وانكساراتنا المرئية على إشارات مرور صنعتها لنا قرارتنا الخاطئة، وأوامر ألقتها علينا أفئدتنا في لحظة غيبت فيها الروح. وانهزمنا.. انهزمنا حين انتهى وقت الإنجاز قبل عبورنا، وانهزمنا حين تراجعنا في لحظة الرحيل، وانهزمنا حين التفتنا لخيباتنا القديمة، وانهزمنا حين التصقنا بها والكثير من الهزائم، وحططنا على موقف هزائمنا لعلنا نصادف مركبةً تحمل أرواحنا بهباتها المضيئة تلك. حجم سذاجتنا حين انتظار تلك المصادفة يضاهي حجم هزائمنا جمعاء، لو دعوت هزائم من حولك من الرفاق لفاقتهم سذاجتك كماً وألمًا، وسرت كل المراكب والمواكب والمارة وأنا أنتظر محصلة روحي بعد كل تلك الهزائم. في العادة يكون الصباح حافلاً بالبدايات.. إلا عند الهزائم فأنت تكون كمن تاهت منه سبل البدايات والنهايات، ووقف في المنتصف لا يسير ولا يخير إلا على عتبات الخسران الوحيدة هل يسلكها ويمضي أو أن يقف كما هو خوفاً من فقدان الخلاص، وأما الليالي فحالكة، وأكثر ظلمة تؤول إلى نزاعات النفس بالنفس حتى الهلاك. عند الهزائم كل الناس من حولك سواسيّة إلا رفيقاً وددت أن تضيفه لنسبك وتضمه بأهلك، وكأنما كان ضائعاً عند صغره، تاركاً حلوته بيدك علامةً فأعاده لك القدر، يشاركك مرارة أيامك هذه عوضاً عما تركه، يشد على يديك تارةً ويذرف دموعك التي لم تستطع مغادرة عينيك تارة أخرى. يصلي لك وقت الإجابة، ويدعو عند الغروب ألا يصيبك مكروه فيهلك ولا يمسسك أذى فيهون ولا يكسر أملك فيفنى، ألا يضيق بصرك من سواد الأرق ولا يضيق ثغرك من بصيص الفرح، وأن تخلد بهناء وتختم نشوات النصر إلى ما بعد السموات العلى؛ لتكن من أصحاب النعيم في الجنة ومن أصحاب التوفيق في الدنيا. يحل ربيعنا حين نتغلب على خوفنا ونتجاوز المنتصف الخانق، ندق أبواب الانتصار من جديد ونستقبل أرواحنا العائدة لمعركة الذات نحو شغفها العنيد، فلا الروح تبقى رهن الانطفاء ولا الحسم بالهزائم يرضينا، يوم تكتمل حكايتنا سنسطر عثراتنا واحدةً تلو الأخرى، وكيف نهضنا مرة بعد مرة.. ونحفز في ذاكرة كل من تركنا لهزائمنا وحدنا وأفلت أيدينا يوماً: هزائم البارحة ثمن مجد عريق وجد من أجلنا فقط.