عايض الميلبي - ينبع يُحكى أن غراباً شاهد في يوم من الأيام طاووساً يختال في مشيته، فقرر هذا الغراب تقليد ذلك الطاووس، وبعد مضي زمن طويل لم يستطع الغراب إتقان مشية الطاووس، فقرر أن يعود لمشيته الأصلية إلا أنه قد نسيها ولم يعد يتقنها، فعاش في تخبط عجيب.. هذه القصة الخيالية في عالم الطيور، أخشى أن تكون يوماً ما واقعاً في عالم العقلاء من بني يعرب، ولا جرم أنها حكاية تختصر مخاوف وهواجس أرى لها وميضاً يلوح في الأفق البعيد تارة وفي الأفق القريب تارة أخرى، فثمة قوى خارجية لا يروق لها رؤية المسلمين وخاصة العرب وهم متمسكون بثقافتهم الأصيلة وقيم ومبادىء دينهم الحنيف.. فكما عملت تلك الجهات على جعل مجتمعاتها تبتعد عن الانتماء لأي معتقد أو ممارسة تعاليمه، وقد كان لها ذلك، حتى أصبح الفرد يفعل ما يشاء بدعوى الحرية المطلقة، فإننا لا نجانب الصواب حينما نقول إنهم يريدون تصدير ذلك الواقع لغيرهم من البلدان الأخرى، لحاجة في نفس يعقوب، على الرغم من أنهم يمانعون في مسألة تصدير إنتاج التقنية لعالمنا العربي، وإن كنا نجد العذر لأولئك، فإننا نعتب كثيراً حين نجد بعض أبناء جلدتنا ينجرون خلف تلك الأبواق البعيدة أو يتأثرون فكرياً بها، رغم أنه ترعرعوا وتربى في كنف أمة مسلمة تقرأ خير الكتب وتتبع سنة أفضل الرسل. ما يُلاحظ في الآونة الأخيرة أن بعض وسائل الإعلام العربية مقروءة كانت أو مرئية أو حتى مسموعة، أصبحت تقود المجتمع إلى الهاوية بسبب ما تقدمه من مواد بعضها يُحاكي أو يُقلد ما يُقدم في بلدان فتك الانحلال الخلقي بها أشد الفتك، بل إن بعض البرامج التي تعرضها بعض الفضائيات العربية هي نسخة طبق الأصل من برامج أجنبية مع اختلاف المقدم والضيف والمُشاهد، أو نسخة أصلية مضاف إليها الترجمة إلى العربية.. أمر محير، لكن يبدو أننا أمة أضحت تعشق الاستهلاك والتقليد، والقوالب الجاهزة أكثر من أي وقت مضى، ثم إن ثلة من الإعلاميين دأبوا على تمجيد ثقافات أخرى، فمنهم مفتونون بالمظاهر دون غيرها من تفاصيل حياة الفرد هناك، وفئة تخلط الأمور خلطاً عجيباً حين تربط التقدم العلمي والصناعي بالتحرر الشخصي، خاصة فيما يتعلق بالمرأة، أما البقية المتبقية فهي متذبذبة، همها الظهور وإثبات الوجود، وقد لا تفقه كثيراً بخوافي الأمور، لذا ربما تردد ما لا تفقه وتعتقد أنها أتت بما لم تستطعه الأوائل. مثل هؤلاء المتثيقفين ربما تتسع دائرتهم وبالتالي يتسع نطاق تأثيرهم مما يخلق توجها لدى شريحة من المجتمع نحو الانفتاح والتهاون بتعاليم الشرع، ولا شك ان ثمة أصواتا قادمة من وراء المحيطات تساندها نداءات من داخل محيط الأمة العربية، تهدف إلى اختراق نسيج المجتمع لتحقنه بأفكار وتوجهات ربما تهز ما لديه من قيم وعادات وتقاليد، فإن كان على خارطة العالم دول تفتخر بما لديها من تقدم صناعي وتقني، فنحن يجب أن نعتز بالتزامنا بديننا الذي يحقق لنا عيشة سوية في الأولى وجنة خلد في الآخرة، ولعلنا نحاكي غيرنا في الإيجابيات وندع السلبيات، حتى لا نجد أنفسنا نعيش مرحلة فلس ديني وأخلاقي، إضافة لتأخرنا التقني والحضاري، وعندها يحين الضياع عندما لا نستطيع العودة لماضينا لنذهب بعيداً عن واقعنا المؤلم، وتحين سخرية الغراب اللئيم قائلا: غريب أمر هؤلاء البشر قرأوا حكايتي ولم يعتبروا.