يحكى أن أحد العقلاء قديماً دخل إلى سوق ما، وكان يرغب شراء لوازم لبيته، فاشترى الضروري منها بما معه من دراهم، قال له أحد التجار: خذ كل حاجتك. قال: ما معي. قال التاجر: خذ وأصبر عليك. قال الرجل: لا ما يحتاج (أصبر أنا). في الحقيقة استرعى انتباهي مضمون هذه القصة القصيرة والجميلة جداً، والتي أظنها تحمل في أحشائها العبر والفوائد الجمة التي يمكن أن يستفيد منها كل أحد وينقلها لأولاده وكل من يمكنه الاستفادة منها في حياته. بالفعل ليس في الوجود البشري على الإطلاق من سيصبر عليك مثل نفسك، فنفسك هي التي تفهمك وتعرف خفاياك وإمكانياتك وقدراتك وحاجاتك وصدقك من كذبك، لذا فهي الجهة الوحيدة المخولة أمام عقلك وقلبك التي يمكنها أن تصبر على أذاك ومطالبك دون أن يشعر أو يتدخل أي أحد. لذا علينا دائماً أن نجعل من أهم قواعد حياتنا المسلمة الثابتة هي الصبر على أنفسنا عوضاً عن صبر الناس علينا والتي قد يتبعها منٌ أو أذى. فما يمكننا أن نصبر عنه أو عليه فليس بالضرورة أن نحرج ذواتنا المحترمة عند أي أحد من أجل شيء ليس من ضروريات حياتنا، ويمكننا استبداله أو حتى الاستغناء عنه. أو حتى إغراق رواتبنا في الديون والاقتراض من أجل هذا الشيء أو ذاك. كشراء سيارة جديدة بديلة لسيارتنا الماشي حالها أو السفر للتنزه أو تبديل الجوال المؤدي الغرض أو تغيير أثاث البيت للبهرجة وغير ذلك كثير. وبالتالي فصبرنا على أنفسنا ذات المزاج المتقلب والمتأثر بمن حولنا والمستجيبة أحياناً طائعة أو مكرهة لمن استرعانا الله عليهم خيرٌ من صبر الناس علينا، والذي قد ينتهي ذلك الصبر إلى خلاف واختلاف، وأحياناً شكاوى ومحاكم وسجون وحقوق ومشاحنات وقطيعة. فبدل أن يصبر الناس عليك، اصبر أنت على نفسك طال عمرك.