اتهم خبراء ومراقبون اقتصاديون وأمنيون اتفاقية " كامب ديفيد" المبرمة بين مصر وإسرائيل، بأنها المعطل الرئيسي والسبب الأبرز في فشل تحقيق التنمية والاستثمار في سيناء، وهو ما جعل من المشروعات الاستثمارية التي أقيمت على أرض شمال سيناء حتى الآن، لا ترتقي لمستوى الآمال والطموحات، وأصبحت مجرد اجتهادات بسيطة من عدد محدود من المستثمرين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وقال الخبراء في حديثهم إلى "الوطن"، إن القيود التي فرضتها "كامب ديفيد" منعت مصر من بسط سيادتها على ثلث مساحة سيناء، ما فرض قيوداً صارمة على الاستثمارات هناك نتج عنه عزوف رجال الأعمال عن وضع أموالهم في سيناء، نتيجة لضعف الأمن في تلك المنطقة خاصة على جميع الفتحات" الأنفاق" المؤدية إلى مناطق التهريب بين غزةوسيناء، مطالبين في الوقت نفسه بإدخال التعديلات اللازمة على الاتفاقية، لتتمكن مصر من تحقيق الأمان المطلوب الذي يعد قاعدة الانطلاقة نحو التنمية الشاملة في سيناء. أخطاء الماضي وأكد الخبراء أن الإسراع في تنفيذ مشروع "الجسر البري" بين مصر والسعودية، بمثابة البوابة الرئيسية لإعمار سيناء وتطويرها، كما أنه سيكون المخرج الرئيسي لفك عُزلة سيناء، لافتين إلى أن النظام السابق أخطأ عندما تعامل مع سيناء كملف أمني فقط، في الوقت الذي كان يجب عليه أن يتعامل معها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ما أدى إلى إهمالها وانتشار الفقر والبطالة بين أهلها. "الجسر البري" من جهته طالب النائب بمجلس الشورى المصري والخبير الاقتصادي فتحي شهاب، بضرورة إحياء مشروع "الجسر البري" بين مصر والمملكة العربية السعودية بشكل جدي، والإسراع في تدشينه لما له من عوائد مجزية للغاية على جميع الأصعدة، سواء عوائد للسياحة أو الكهرباء أو التجارة والاستثمار والغاز، مشيراً إلى أنه إذا ما تحقق ذلك سيكون المخرج الرئيسي لسيناء من عزلتها وتجاهلها. وأشار إلى أنه وللأسف الشديد منذ أن تم تحرير آخر متر في سيناء، لم نعد نسمع عن سيناء إلا الأخبار السيئة والمأساوية، وأصبحنا لا نسمع عنها إلا من خلال تهريب المخدرات أو السلاح، أو ضرب خط الغاز إلى دول العالم. وطالب شهاب بضرورة إعادة النظر في اتفاقية" كامب ديفيد" وإدخال تعديلات عليها، خاصة وأنها بوضعها الحالي تعوق وبشكل كبير المصريين عن تطوير سيناء، ما أدى إلى هروب المستثمرين عنها بسبب الانفلات الأمني وضعف سيطرة الأجهزة الأمنية. فتح الملفات بوضوح وأكد نائب مدير معهد التخطيط القومي المصري سمير مصطفى، أنه آن الأوان لفتح ملف مشكلات سيناء بصراحة وبكل وضوح، لافتاً إلى أن هذه الملفات هي اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل "كامب ديفيد"، وإعادة النظر في بعض بنودها خاصة فيما يتعلق بتمكين مصر من السيطرة الأمنية بشكل أكبر على سيناء، مشيراً إلى أن تلك الخطوة هي البداية لانطلاقة استثمارية حقيقية. وأشار مصطفى إلى أنه لا بد من حل مشاكل أبناء سيناء في تملك الأراضي، وتشجيع الاستثمار بكل أشكاله وأنواعه، فضلاً عن إقامة منطقة آمنة على الحدود برفح، وهو المقترح الذي سبق أن قدمه اللواء عبد الفضيل شوشة، محافظ شمال سيناء الأسبق. وطالب بإقامة تجمع سكني جديد يضمن الاستقرار للمضارين من أبناء سيناء، لافتاً إلى أن استمرار الأوضاع بهذا الشكل في هذه المنطقة لا يمكن السكوت عليه، وعلى الحكومة أن تبدأ في إجراءات فعلية على الأرض، ولدينا العديد من الدراسات في هذا الشأن من كل الخبراء. تسهيلات الاستثمار وتقول مديرة مركز البحوث والدراسات التجارية والاقتصادية الدكتورة ماجدة قنديل إن الحكومة المصرية مطالبة الآن بتقديم تسهيلات لرجال الأعمال الذين يرغبون الاستثمار في سيناء، على غرار ما قدمته في المدن الصناعية الجديدة مثل مدينة "بدر" و"أكتوبر" وذلك عن طريق الإعفاء الضريبي لمدة 10 سنوات، مشيرة إلى أن هذا هو السبيل الوحيد لتأمين سيناء أمنياً واقتصادياً وسياسياً. وأكدت قنديل على ضرورة زراعة سيناء بالبشر وأن يكون هذا الهدف على رأس أولويات الحكومة الآن، موضحة أن ذلك لن يتحقق إلا باتخاذ إجراءات جديدة تشجع على الاستثمار والتنمية في شبه الجزيرة، مقترحة أن تتخذ الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور هشام قنديل قرارات جريئة تتعلق بتشجيع الاستثمار في المنطقة. الاستراتيجية التنموية ويرى محمد عبد الله، الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون سيناء، أنه على الرغم من عدم إمكانية توقع حل قريب لمسألة سيناء، فإن بمقدور الحكومة ومن واجبها تعديل الاستراتيجية التنموية التي تتسم بقدر كبيرٍ من التمييز وقلة الفاعلية وذلك لتلبية الحاجات المحلية. ومن شأن خطة جديدة تحظى بتمويلٍ ملائم وتوضع بالتشاور مع ممثلين محليين حقيقيين ويشترك جميع عناصر السكان في تنفيذها أن تغيّر مواقف أهل سيناء من الحكومة من خلال معالجة مظالمهم، وذلك من خلال العمل على إعداد خطة تنموية اجتماعية واقتصادية شاملة من أجل سيناء بالتشاور مع قادة المجتمع المحلي ومع القطاع الخاص والمانحين. وأن تأخذ الحكومة المصرية باعتبارها الاعتماد الاجتماعي الاقتصادي المتبادل بين شمال سيناءوجنوبها، وكذلك إلغاء جميع التدابير والمعايير التي تمارس التمييز بحق السكان المحليين، إضافة إلى تشجيع مشاركة المجتمعات المحلية وممثليها السياسيين الحقيقيين في صنع القرار التنموي الخاص بسيناء، وكذلك تسهيل وتشجيع بناء القدرات المحلية (كالجمعيات المحلية مثلاً) وذلك عن طريق تبسيط الأنظمة الإدارية والسياسية وتوجيه القروض والمنح الحكومية لصالح تزويد هذه الجمعيات بما يلزمها، وأيضا تزويد المجتمعات البدوية بأدوات صياغة المشاريع التنموية المحلية وتنفيذها وخاصة من خلال تنظيم دورات تدريبية، وكذلك الاعتراف بالهوية الثقافية واللغوية المتميزة لسيناء بصفتها جزءاً من التراث القومي وتمويل مشاريع تعمل على حفظها، وكذلك تشجيع الأحزاب السياسية على إقامة امتدادات في المنطقة (أو تطويرها وتوسيعها إن وجدت) من خلال ضم عناصر من السكان المحليين وإتاحة السبل النظامية أمامهم للتعبير عن احتياجاتهم ومعاناتهم الخاصة. الصناعات الصغيرة ويقول الدكتور باسل أحمد الصباح، خبير هندسي، يقول إن سيناء تحتاج إلى المشروعات الصغيرة التنموية حتى تحقق النجاح المراد من تعميرها. وأشار إلى توافر المواد الخام في سيناء الصالحة في الصناعات الصغيرة، والتي تعد المواد الخام للمصانع الكبرى التي تحمل نهضة صناعية حقيقية في سيناء. وأكد باسل أن البنية الأساسية الضعيفة في سيناء تعد عائقاً أمام جذب الشركات إلى سيناء، وكذلك هجرة السكان إليها لعدم توفر الخدمات الأساسية لبناء مجتمع سكني هناك. ومن جانب آخر قال باسل إن بدو سيناء هم أول من يرحب بهجرة سكان الوادي إلى أرض الفيروز، ولن يقفوا أمام هذه الهجرة التي ستكون عاملا رئيسيا في نجاح تعمير سيناء. فمن أين ستأتي الشركات والمصانع بعمالة رخيصة الثمن وذات قدرة عالية من المهارة إلا من سكان الوادي. تواطؤ الحكومات من جانبه أكد، حماد عبد الله، خبير هندسي، أن الدولة تأخرت في تعمير سيناء، بل الحكومات السابقة متواطئة في حق تعمير سيناء، وأشار حماد، إلى أنه كان يوجد لجنة وهمية لتنمية سيناء يترأسها محمود الشريف، وأن النظام السابق كان يعمل على عدم إقامة نهضة في سيناء، لذا فهي في حاجه إلى هيئة أو وزارة مستقلة تتولى مشروع النهضة مثلما فعل جمال عبد الناصر، عندما بنى السد العالي، حيث رفض حماد المقولات التي تدعي بوجود معوقات تقف حائلا أمام النهضة في سيناء، بل سيناء كلها مقومات لتواصل النجاح لأي مشروع تنموي يصل إليها. مشروعات وأرقام وتعد شبه جزيرة سيناء هي الانطلاقة الكبرى نحو إعادة توزيع السكان على صحراء مصر الشاسعة، والغنية بخيراتها، فالتنمية الشاملة لسيناء تشمل جميع النواحي والمشروعات الاقتصادية المتمثلة في الزراعة والصناعة والتعدين والسياحة والمجمعات العمرانية الجديدة، وما يتبعها من مشاريع خدمية والانطلاق من ضيق الدلتا والوادي وتكدس السكان إلى رحابة سيناء، حيث تمتد على مساحة 60088 كيلو متراً مربعاً، وتمثل 6% من مساحة مصر، حيث تمثل لها شبه جزيرة سيناء منطقة جذب للسكان. والاستثمار في سيناء بدأ منذ بداية تسعينيات القرن الماضي ليشمل جميع المجالات، بدءاً من إقامة ترعة السلام بطول 87 كم غرب قناة السويس عند الكيلو 219على فرع دمياط، وهناك أكثر من 13 مشروعًا في مختلف المجالات داخل سيناء، بتكاليف استثمارية بلغت نحو 922 مليون جنيه( الدولار يساوي 6.2 جنيهات)، وتوفر تلك المشروعات حوالي 1401 فرصة عمل، فضلاً عن المنطقة الحرفية ومساحتها الكلية 238 فدان، وهذه المنطقة هدفها وجود جميع الورش الصناعية والحرفية في مكان واحد لمنع التلوث البيئي وانتشاره في المنطقة. وكانت "جمعية مستثمري سيناء" قد تقدمت بمذكرة إلى رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عصام شرف، تطالبه فيها بالموافقة على إنشاء وزارة مستقلة لتنمية سيناء، لما تمثله من أهمية اقتصادية كبرى ستضيف كثيراً للاقتصاد القومي، إلا أن المشروع القومي لتنمية سيناء المقرر أن يتم الانتهاء منه عام 2017، لم ينفذ منه سوى 5% فقط من المستهدف، مما صعب من مهمة اللحاق به في الوقت الذي تم تحديده. وكشف تقرير وزارة الزراعة المتمثلة في الهيئة العامة لتعمير ومشروعات التنمية الزراعية، عن وجود 180 ألف فدان بسيناء على ترعة السلام جاهزة للزراعة، على أن تكون الأولوية في مساحة 25% من هذه المساحات سيتم توزيعها على أهالي سيناء وبعض الشركات الاستثمارية، مع التزامهم بالزراعات الجادة خلال 3 سنوات طبقا لقوانين التصرف في أراضي الاستصلاح الجديدة، بينما تم تخصيص 20 ألف فدان على مآخذ الري أرقام 21، 23، 25 لأبناء سيناء. وتابع تقرير هيئة التعمير ومشروعات التنمية الزراعية، أنه في إطار سرعة استغلال الأراضي المتاحة لعمليات التوسع الزراعي والإنتاجي فأن هناك 41 ألف و251 فدانا جاهزة للاستثمار منها 3 آلاف فدان جنوب القنطرة شرق، مقسمة إلى 10 أفدنة بالإضافة إلى 38 ألف فدان و250 فداناً بمنطقة رابعة بشمال سيناء، مقسمة إلى مساحات تتراوح بين 12 فداناً و5 أفدنة مخصصة للاستثمار ومساحات أخرى تصل إلى 28 ألف فدان و292 فداناً بمنطقة رابعة خلال العام المالي 2012 -2013. وأشار التقرير إلى تقنين أوضاع الأيدي ل350 ألف فدان بسيناء بشرط تملك الأراضي للأشخاص واضعي الأيدي، ولا يجوز البيع لآخر إلا بموافقة جهاز تنمية سيناء بعد التأكد من جنسية المشتري، وبشرط أن يكون المشتري مصري الجنسية وفي حالة الوفاة لا يتم إلا لزوجة أبناء مصريين، وذلك لأن أغلب أهل سيناء متزوجون من فلسطينيات.