منذ أكثر من خمسة آلاف عام تشكل التراث الطبي الهندي ونما عبر الديانة الهندوسية وفلسفتها عن الحياة. يُطلق على مجموع هذا التراث مسى الأيورفيدا نسبة إلى نصوص الفيدا المقدسة (الفيدات) التي تشرح فروع الديانة والفلسفة الهندوسية. في اللغة السنسكريتية القديمة تتكون كلمة الأيورفيدا من شقين الأول (أيور) ويعني الحياة، والآخر (فيدا) ،ويعني العلم، ويمكن اعتباره مقابلا لكلمة الوغوس في اليونانية. المبدأ الأول الذي تقوم عليه الأيورفيدا ،هو مبدأ التوازن حيث توجد مكونات الجسد الثلاث (الدوشات) في توازن وتناغم ثلاثي الأبعاد، وإذا حصل أي خلل في التوازن ينشأ المرض، وبالتالي يكون العلاج الناجع هو إعادة التوازن مرة أخرى. بالرغم من قدم الأيورفيدا واتصالها ببعض المفاهيم الدينية الغيبيّة، فإنها استطاعت أن تستمر وتدخل إلى ساحة الطب الحديث برأسٍ مرفوعة. وهنا يأتي السؤال المهم: كيف استطاع الهنود أن يقدموا تراثهم للعالم؟ السبب الرئيس هو تبني الأيورفيدا من قبل طبقة العلماء والأطباء الذين اعادوا تشكيلها عبر المنهج العلمي التجريبي، وتقديمها للعالم كأحد أنواع الطب الشمولي البديل. لم يخجل هؤلاء العلماء من تراثهم ولم يخشوا أن يوصفوا بالرجعية واللاعلمية كما يشعر بعض العرب. في الوقت الحالي أصبحت الأيورفيدا أحد الممارسات الطبية المعتمدة في الهند، وتوجد لها عدة معاهد متخصصة. عالميًا نشر المركز الوطني للصحة التكميلية بأمريكا صفحة تعريفية بالأويورفيدا، وذكر بأن حوالي 240 ألف أمريكي يستعملونها في حياتهم. يقدم المركز أيضًا منحا بحثية حول استعمالات الأيورفيدا الطبية. حاليًا بدأت الأورفيدا تتمدد في الغرب بشكل مؤسساتي ورسمي عبر عدد من المراكز المتخصصة ونذكر منها: الجمعية الوطنية للطب الأيورفيدي بأمريكا، الجمعية الأمريكية لممارسي الأيورفيدا المعهد الأيورفيدي ببريطانيا الجمعية البريطانية لممارسي الأيورفيدا ،جمعية الأيورفيدا الأوروبية ،الجمعية العلمية الإيطالية لطب الايورفيدا ، الأكاديمية الأوروبية للأيورفيدا بألمانيا. هذا الانتشار الكبير يُبرهن على ميل الناس لما هو طبيعي وشمولي في مقابل العلاج (الكيميائي) المتخصص ،وهذا يُعطي فرصة كبيرة لاستمرار ونمو الثقافات الصحية العالمية خصوصًا الهندية والشرق آسيوية. نحن كمسلمين وعرب لدينا تراث صحي كبير ومتنوع جغرافيًّا، تكون ببطء عبر الحضارات والثقافات التي مرّت بالمنطقة؛ ولكنه بحاجة لأن يُعاد بعثه عبر المنهج العلمي التجريبي، وهذا الشيء لن يقوم به أشخاص يخجلون من ثقافتهم.