هناك الآلاف في عوالم السياسة بلغوا مبلغا مهما في صفحات التاريخ من خلال الحظوظ، وتصدروا المشهد، بل ربما المشاهد، وتبوأوا منصب الرجل «رقم واحد» في دولٍ ما، وحصلوا على كثير من الفرص التي لا يستحقونها. سأحاول أن أتمتع ببعض من لباقة المفردات، وأتجاوز وصفهم ب«الأغبياء» أو «سياسيي الصدفة»، لكني سأعتبرهم «دراويش» في السياسة. ومن باب إيمان العالم بحرية الرأي، سأسمي من أعتقد أنهم كذلك بالاسم الصريح بدلا عن أي لقبٍ مُريح، مهما يكن تاريخ الماضين منهم، وبلوغ الباقين من سطوة ونفوذ، وليغضب من يغضب. سأتحدث عن البعض منهم، فالمساحة لا تتسع، وسأبدأ بجمال عبدالناصر الذي أرى أنه «درويش» حين فكر بتحويل شعار الوحدة العربية لأمر واقع، حيث تبخر المشروع واستنزف شعبيته وخسر الجيران، بالإضافة إلى أن وقوعه في فخ هزيمة 67 كان بخديعة من أجهزة مخابرات دولية، وهذا أبرز صور «الدروشة». وأنور السادات كان درويشا حين تحمل عبء انقلاب سلفه برفقة الضباط الأحرار، وما ترتب عليه، وكان درويشا أيضا في زيارته إسرائيل، لإثبات الشجاعة، حتى وإن كان كذلك، وكان درويشا في إبرام اتفاقية كامب ديفيد للسلام في 1978، التي لم تعُد بأي مكاسب على مصر أكثر من الخصومات مع العالم العربي. ومعمر القذافي درويشٌ قدم على ظهر دبابة عسكرية لدولة تملك مقدرات نفطية، وجثم على حكم ليبيا أكثر من 40 عاما في خيمة، مُحاولا ارتداء عباءة البدوي ذي الشجاعة والفروسية، حتى تعاظم لديه الأمر، ولقب نفسه «ملك ملوك أفريقيا»، واحترق ذلك بعشيةٍ وضحاها. وصدام حسين درويش كبير، وثبت ذلك من خلال رغبته في تعميم فكرة حزب البعث بالدول المحاذية للعراق، ولا سيما الخليجية منها، للسيطرة على منابع النفط والطاقة، وبالتالي القدرة على التأثير العالمي عبر الطاقة بعد تجاوز مرحلة القوة العسكرية التي أعقبت حربه مع إيران. لكن تلك الفكرة أصبحت حمقاء بغزوه دولة الكويت، وجرأته على دخول محافظة «الخفجي» بشرق المملكة. وعلي عبد الله صالح درويش، وهو الذي قال يوما: «حكم اليمن أشبه بالرقص على رؤوس الثعابين»، في إشارة منه حينها لمنح نفسه مزيدا من الاستقواء على وجهاء اليمن، ونفوذا أكبر بين صفوف تنظيم «القاعدة»، الذي استخدمه فزاعة لدول الجوار. وعمر البشير درويش يتمتع بكثير من الخبث باتباع سياسة «من غلب» بدليل فتحه أبواب السودان على مصراعيها لزعيم تنظيم «القاعدة»، ثم سماحه لإيران باستباحة الدولة، والقيام بحملات تشيّع، هدفها توسيع «ولاية الفقيه»، إلى أن سقط قناعه بتأييده جماعة «الإخوان» بعد توليها السلطة في بعض الدول العربية. وعلى ذكر «الإخوان المسلمين» الإرهابية، فهم مجموعة من الدراويش، كان واجهتهم محمد مرسي الذي كاد يُحول مصر لمفرخة للمتطرفين تحت ستار التأييد السياسي للجماعة، التي عملت وناضلت من أجل مشروعها الكبير، لا مشروع الدولة والوطن. ومن جماعة «الإخوان» تنبثق حركة «النهضة» في تونس، التي عمل زعيمها «الدرويش»، راشد الغنوشي، من تحت الطاولة على اغتيال كل من يخالف منهجيته، وتفاوت ذلك بين «جسدي» مثل شكري بالعيد ومحمد البراهمي، و«معنوي» مثل دفع مؤيديه للتمرد على الدولة، وتقويض صلاحيات الرئيس. والأخ رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، جو بايدن، درويشٌ كبير للغاية، وذو شخصية متخبطة، ولا سيما أنه منح العالم كثيرا من الفرص للتندر على شخصه من خلال مواقفه المتضاربة والمتقلبة وغير المتزنة تجاه الحليف والعدو دون مراعاة لمصالح الدولة العليا، حيث أذكر أنه قال قبل أسابيع: «الرئيس بوتين ربما يحاصر كييف بالدبابات، لكنه لن يُريح قلوب وأرواح الإيرانيين». والخامنئي درويش بمواجهته العالم، وخسارة كل شيء مثل مقدرات الدولة، من مالٍ ونفط وغاز، بصرف النظر عن كونه حقودا سوداويا، ومن يسير بفلكه دراويش أيضا مثل رئيس الجمهورية الإيرانية المُختطفة من قِبل «المنهجية الخُمينية»، التي تُكرس للأحقاد، والتابعين له إلى يوم الدين في العراقولبنان وسوريا واليمن، وأجزاء من أفريقيا. والرئيس اللبناني، الأخ ميشال عون، درويش، ويؤكد ذلك ابتكاره حلولا للأزمة الروسية/ الأوكرانية، وهو لم ولن يستطيع حل أزمة الكهرباء والوقود ورغيف الخبز في لبنان، وعجز عن فرض شخصية الرئيس، ومنع اختطاف «حزب الله» المتطرف قرار الدولة. وبالمناسبة، فقد أعلنت الدولة اللبنانية قبل أيام قليلة إفلاسها، وهذا ينم عن إفلاس الطغمة الحاكمة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، وعدم امتلاكهم مشروعا يجنب الدولة صراعات الإقليم، ويهتم بحياة الإنسان. وفي القادم من سطور سأبتعد عن فكرة الدراويش في السياسة، لأصل إلى شخصية «خالتي اللتاتة»، وأذكر أن صديقا ليّ (....)، سأكتفى بالنقاط، افتعل أزمةً مع أغلب دول الخليج، في مقدمتها السعودية، من خلال تلك الشخصية التي مهدت له التدخل في شؤون الآخر، واصطدم بعد حين بالواقع، وتدني سعر صرف «ليرته»، وجاء مُهرولا للدخول من الأبواب الخلفية، إلا أن ذلك لم يكُن مجديا، فهناك فاتورة يجب دفعها، أول بنودها نسيان المشروع الإمبراطوري الذي يحلم باستعادته. والوجه الآخر من «خالتي اللتاتة» يعاني حالة إفلاس سياسي، حيث انتهج الفضائح، ونشر غسيل من كانوا أصدقاء الأمس، وهذا يتأكد من قوله عن بعض من ساندهم لسنين: «إنهم لا يستطيعون حكم دكان وليس دولة»، يقصد «الإخوان المسلمين» في مصر. وحسن نصر الله وإسماعيل هنية «خالتان لتاتتان» بارعتان في قيادة حشود الأغبياء، والتأثير عليهم بكذبة «مقاومة إسرائيل»، بينما ارتمى الاثنان في حضن المرشد بطهران، وانشغلت بندقيتهما منذ سنوات بقتل الشعب السوري، ودعم جماعة الحوثي في اليمن التي خرجت عن نص الأعراف السياسية والإنسانية، واختطفت السلطة الشرعية. إن وجود مثل هذه الشخصيات، وإن كان مُنغصا للبشرية، ضرورة قصوى تستفيد منها الإنسانية جمعاء، حيث يتحقق بوجودها ميزان العدالة الذي يميز بين الخير والشر، والصدق والكذب، والقبح وما يضاده، والغباء والذكاء. وأنا أيضا درويشٌ كبير. لا عزاء ليّ ولا للزملاء في الدروشة. ولا لخالتي اللتاتة. إلى اللقاء.