بصماته التي تتراقص على أحزانهن تقتلني، أنفاسه الملوثة لعوالمهن تطغى على مخيلتي فتحمل إلي عبق خياناته.. يبتسمن بوجع.. تلمس إحداهن يدي وتهمس برقة «أشعر بالذنب لأنني أخبرتك.. ليتني لم أفعل..»ِ ليت للكلمات وقع آخر، جديد، يختلف عن معاني لطالما ألفناها، ليت للكذب معنى الصدق، ليت للخيانة نكهة الإخلاص لتحولت حياتي إلى جنة! طريق عودتي يتطاول..أكثر..فأكثر، تقطعه إطارات السيارات، نشدانا لوطن هو لهم الفردوس، وأقطعه أنا ليس لرغبة مني في العودة، إنما اختصار لقصة ألم تتزايد كلما وضعت لها حدا، تبدأ كلما أنهيتها، تتواصل كلما أنكرتها.. بالله متى تنتهي! صوت ناعم يهمس إلي «مدي يدك لي.. حرارة الجو تمنح فكري غيوما تبكيني..لا تبك..». يخجلني ضعفي أمحو دموعي.. أستمد منها كبرا لم يكن أبدا رفيقي...«شجاعة دوما كما عهدتك.. أترين ذلك المبنى البعيد ؟ على أبوابه تخلصت كل العاشقات من ذنوب غرامهن ومنحت من غدر ذنباً أزلياً». ترتعش يدي معانقة مقود السيارة، أخشى أن ينفلت مني فأطيع وساوسي المنطقية، تصرخ بمخيلتي عينا صديقتي الأقرب، تتردد بذاكرتي المنتهكة كلماتها نفسها «لقد غازلني مراراً..حاول الايقاع بي.. من أجلك صفعت غروره ومن أجلي أسأت معاملته.. خشيت عليكِ فلم أخبرك..الآن وقد انتهى كل شيء صار واجباً علي أن أدعك تنزعين عنك ذلك الأسود، كفي عن المبالغة في احترامه فلم يكن يستحق.. لا تقولي أبداً.. كان حبيبي ومنعتنا الظروف، قولي.. كان خاطئاً.. آثماً.. خائناً.. ألا تبا له! همسات أخرى تختلط بصوتها.. لا تخشي الألم.. هي فقط صرخة واحدة ربما لن تكتمل.. لا تخافي.. دماء كثيرة ستخضب الدرب وتمنح التراب عبق الحياة، لكن وجهك الصبوح سيحتفظ بجماله.. بحقيبة يدك إثباتا لهويتك.. سيتعرفون عليك فوراً.. كثير من البكاء سيغسل عنك الحزن.. تنفسي بعمق..أكثر.. استرخي.. اهدئي.. رشفة ماء بارد لن تضير.. كوني حاسمة.. أسرعي قليلاً.. قليلاً ثم أسرعي جداً.. اتركي عجلة القيادة.. أغمضي عينيكِ.. استحضري بذهنك ثوب عرس.. وصيفات جميلات يتشحن بالأبيض.. ولى زمن الأسود يا جميلة.. دعيني أرى ابتسامتك للمرة الأخيرة.. بارعة الحسن أنتِ. أغمضت عيني، تخليت عن المقود، استحضرت مشهد الجنة، سبحت بسمائي وفارقت رغبتي في الحياة و.. استسلمت. ارتفعت نغمة هاتفي، استيقظت حواسي فجأة بعد خدر آسر.. استردت عيني البصر، صوت محبب عانق سمعي». ماما تأخرتِ.. هل أحضرتِ ما طلبت؟ أجبت: نعم حبيبي.. - تأخرت؟ - لن يؤخرني عنك سوى موت.. رد بجد: أي موت تقصدين؟ أنت ماما وأمي لا تموت! عن أي موت أخبره وأنا التي أمعن في منحه يتما يدوم طوال حياته؟ أي موت سأختار إن كان هو حياتي؟ كبحت جماح مخاوفي خيباتي وسيارتي، أمسكت بهاتفي انفجرت صارخة «أشرف.. صديقي.. أنا خائفة». دقائق أو ساعات أو حتى سنوات لا أدرى، تكورت بمكاني إلى أن منحني منديلا لأمحو دموعي.. ربت على كتفي وهمس: لم كل ذاك البكاء؟ لم يحبنِي قط.. يتلاعب بكل من تحمل هرموناً للأنوثة! يا للرجال! قلت: أولست رجلاً؟ ابتسم: بلى لكنني صديقك.. قلت: أحتاج انهياراً عادلاً لا تنتهي معه حياتي.. أنشد أباً يدفئني، صدراً يحتضن ألمي.. هاأنا معك... على كتفه أفرغت كل دموعي فأزهر حنانا غامراً، وثقة لطالما فارقتني. فهمست: أرجوك.. كن دوما صديقي.