هناك الكثير من الدول التي تحمل في طياتها تاريخا كبيرا، تاريخا يتشرف أبناؤها وساكنوها ومن جاورها به؛ وذلك لأنها كانت على مر العصور شاهدة على مرور الحضارات الإنسانية القديمة، وما تحمله من آثار وثقافة أبهرت الناظرين، هذه الدول كانت مأوى لأصحاب السيادة في الدين والسياسة والأدب، وغيرها من فنون الحياة. كانت مقرا للخلفاء والوزراء والزعماء والقادة وكل ذي شأن، بالإضافة إلى ذلك كله، اكتسبت الكثير من المزايا من خلال موقعها الفريد وجغرافيتها المميزة، فهي بلاد متنوعة التضاريس، ترى فيها لفح الشمس وهجيره، وكذلك زمهرير الشتاء القارس، ترى فيها فاكهة الشتاء ورطب الصيف، ترى فيها نسيم البحر وغبار الصحراء، ترى فيها القصور والدور. ولعل أهم ما يميز هذه البقعة الجغرافية هو وجود مزارع النخيل فيها بكثرة، ولذلك سميت بأرض السواد؛ لأن من يقدم عليها يرى سوادا في الأفق، لكن هذه الأرض كثيرا ما كانت تتألم وتتلوى من كثرة ما مربها من مآسي، فقد كانت ضحية لكثير من الهجمات والغزو؛ وذلك بسبب ما حاباها الله من خير وبركة طَمع فيها الطامعون، بالإضافة إلى أنها كانت ومازالت مسرحا لصراعات داخلية بسبب تعدد الطوائف والأعراق. وكثيرا ما كان ذلك البلد يعيش في انعدام من الأمن وشظف من العيش على الرغم من امتلاكه للثروات الطبيعية التي من أهمها الذهب الأسود (البترول)، لكنه مازال يتنفس وينتعش مرة بعد مرة، لأنه يمتلك وقود الحياة، وهو الأمل والطموح للبناء من جديد، وقد ساعده في ذلك جيرانه المخلصون له، الذين لم يدعوه وحيدا. إن لهذا البلد لمكانة كبيرة في نفوس الكثيرين؛ لأنه يعتبر مركز حضاريا وثقافيا، قد أثار فضول الناس من ضمنهم كاتب هذا المقال، حيث لا يحصى عدد المراجع والدراسات والبحوث العلمية التي تداولت أسباب نهضته على مر العصور منذ فجر التاريخ، ولايعد كم الأدباء والشعراء الذين أطنبوا في مدحه والتغني به، وكيف سقط لمرات ومرات في وجه الغزاة ثم استعاد قوته من جديد، هذا البلد الذي تجري الأنهار من تحته، وتتدلى الأكمام من أرضه الخصبة، مهما كُتب عنه فلن يوفى حقه، لن أطيل كثيرا عليكم، يكفينا أن نقول اسم هذا البلد العريق، إنه يا سادة، العراق بلاد الرافدين.