كاد العالم أن يفقد الأمل بشأن اتفاقه حول أي موضوع كان، اقتصاديًا أو سياسيًا أو ثقافيًا أو إنسانيًا، ربما لأنه لم يعُد جديرًا بذلك، لكثرة خطاياه التي ملأت هذا الكوكب المُثْخَن بالجراح. إلا أن تلك الحفرة التي سحَبت أنظار العالم باتجاهها خلال الأيام الماضية، قد تكون سببًا في إعادة تشكيل روح عالمية جديدة، تُعطي الأولوية للإنسان، بغض النظر عن كل الاعتبارات التي أرهقت البشرية زمنا طويلا. لقد أبَانَ العالم كله عن حالة من التعاطف الشديد، مع الطفل المغربي ريّان، وأصبح العالم كله أسرة له، وغَدا الوجعُ عالميًا بكل مرارته، والتزم الجميع بموضوع واحد في غدوِّهم وروَاحهم، وحِلِّهم وتَرحالهم، وصباحاتهم ومساءاتهم طيلة أيام ذلك الحدث الاستثنائي الحزين. لم يبق أحدٌ بعيدا عن وتيرة القلق، والتَرقُب، والإشْفاق، والمتابعة الحَثيثة لتلك القرية النائية في شمال المغرب، بل يصح القول لتلك الحفرة التي استقر في قعرها ذلك الطفل، ومعه استقرت مشاعر أكثر الناس في كل العالم، وتغيرت الأولويات اليومية لكثير من الناس، لتصبح حالة الطفل ريّان، وتقدم جهود الإنقاذ، وحالته الصحية، هي الأبرز في سلّم الأولويات. ولأن مشيئة الله نافِذة وقدره غالب، فقد رحل ريّان بعد أن حمل رسالته البليغة، وأدّى مهمته في هذا العالم كاملة عبر تلك الروح العظيمة التي وحَّدت مشاعر الإنسانية تجاه الحياة وقيمتها. ولأن الفصل الأخير من ذلك الحدث كان حزينا مؤلما، فقد يبقى مسيطرا على الناس لفترة ليست بالقصيرة، ربما لأن الإنسان يكتشف عجزَه عن إدارة بعض التحديات على الرغم من كل التقدم المادي الذي أحرزه، وربما لأن موضوع الحدث طفل ضعيف لا حول له ولا قوة. ولكن وعلى الرغم من الصدمة الكبيرة لدى كل الذين حَشَدوا الأماني بنجاته، إلا أن الجميع استشعر الوجه الآخر لهذه المأساة، حينما أيقنوا أن هناك روحًا جديدة نمت في داخل كل واحد تابع ذلك الحدث، بعد أن دَكّ اليأس مجتمعات بأكملها جَرّاء العتمة التي تَعُم العالم. إن الروح المشفقة والمتعاطفة التي ارتسمت ملامحها على ذلك الشاب في السعودية، أو تلك الشابة في نيوزيلندا، تلك البلاد النائية عن بلاد المغرب موطن الحدث، أو ذلك الرجل في أقصى الشمال من هذا الكوكب في أيسلندا، أو تلك الجَدّة التي اختلطت في داخلها مشاعر القلق والرجاء في تلك الجزيرة النائية في المحيط الهادي، كل ذلك مما قد يعيد شيئا من الثقة في أرواحنا، التي ما زال بإمكانها الاحتفاء بقيمة الإنسان بعيدا عن فوارق الّلون، والدين، والجنس، والعرق، الأمر الذي يجعلنا نعيد بناء الآمال في داخلنا بأنّ هذا الكائن الذي شرَّقَ وغرَّب في كل مساحات الألم قد يَجْنَحْ للسلم ولو في الأمتار الأخيرة من ماراثون الحياة المرهق.