النقد المتكرر أحدث شرخا في العلاقة بين "أم ماجد" وزوجها، وتسبب في أن تكون في حالة دائمة من الخوف والتوتر، وعدم الثقة والتركيز، خاصة في حال زيارة أحد الأقارب إلى منزلها، تقول أم ماجد: "سبب لي انتقاد زوجي المتكرر حالة من عدم الثقة، والخوف، والارتباك، والخجل، خاصة إذا كان هناك زوار للمنزل من أسرتينا، لطالما تكرر ذلك النقد الذي لا أجد له أي تفسير سوى إحراجي، والرغبة في فرد العضلات من قبل زوجي أمام أهله، ومحاولة إيصال فكرة أنه المسيطر في المنزل". وتابعت أم ماجد: "رجوته مرارا بأن يكون انتقاده في وقت مناسب في حال كنت بمفردي، وكان يجيبني وبكل هدوء بأن انتقاداته المستمرة لي كانت بقصد التوجيه، وأنني لطالما أفهمه بطريقة خاطئة". كانت تلك حالة "أم ماجد" التي لم تستطع كف انتقادات زوجها، والتي وصفتها ب "المؤذية"، ولكن هناك من الزوجات من لا يتقبلن النقد من الأزواج في حضرة الزوار، ومنهن نورة الصقري التي استطاعت على حسب قولها كف زوجها عن تلك العادة المحرجة، حيث تقول: "الانتقاد في حضرة الأقارب نوع من الأذى النفسي والمعنوي، ولا يمت للتوجيه بصلة لا من قريب أو بعيد، فذلك الانتقاد القصد منه فقط إثبات الذات، وهذا ما لا أقبله مطلقا". وعن طريقتها في كف انتقادات زوجها قالت: "عندما حضرت والدة زوجي وشقيقاته لتناول العشاء معنا ذات يوم، بدأ زوجي بعبارات النقد ومنها:" لطالما نهيتك عن الإكثار من الملح في الطعام، ولماذا لم تعدي الحلوى المفضلة لدي؟، ومن الذي قام بإعداد الأكل .. أنت أم العاملة المنزلية كالعادة؟" ، ولكني قابلت تلك العبارات بالتهميش، وكأن شيئا لم يكن، بابتسامة باهتة توحي له بأنني لا يمكنني الخضوع لتلك العبارات، وأنها لم تحرك بي ساكنا، وتصرفت كعادتي بكبرياء، وقلت له بالحرف الواحد:"إن لم يعجبك ما صنعت، فلماذا التهمت كامل الطبق؟، تلك هي عادتك التي لطالما اعتذرت لي عنها بمجرد خروج والدتك من المنزل، ولكن هذه المرة لا يمكن لي قبول اعتذارك، إلا حينما تدخل المطبخ، وتعد لي طبق الحلوى الذي لطالما صنعته لي، وبتلك العبارات استطعت أن أوجه له رسالة غير مباشرة وهي: "لا للنقد أمام أحد". ولم يكن النقد خاصا فقط بين الأزواج، ولكنه قد يتجاوز ذلك إلى الأبناء، ومنهم "عادل" (17 عاما) والذي يعبر عن ضيقه بانتقادات والده له، والتي وصفها بالمستمرة، مؤكدا أنها دمرت العلاقة الودية التي لطالما كان يتمناها مع والده. يقول عادل: "لم يكن والدي يراعي وقت إطلاق قذائف اللوم والانتقاد، فهو لا يتوانى عن انتقادي أمام الآخرين، وبشكل متكرر، مما تسبب لي بنوع من عدم الثقة، والخوف، والحرج، خاصة في الولائم والمناسبات، وبت في حالة خوف دائمة من عباراته اللاذعة التي يطلقها من غير مراعاة للوقت والمكان المناسبين". وتابع بحزن: "أتذكر أنه في موقف انتقدني أمام الحاضرين، وطالبني بالوقوف عند مدخل المجلس لاستقبال الزوار، ولم يكن أحدا ليحضر في ذلك الوقت، وظللت واقفا لساعات طويلة، حتى لحظة خروج الزوار، بعدها نهرني أمام جدي، وقال : أين كنت لحظة الاهتمام بالزوار وقت تناول العشاء، ونسي أنه هو من كلفني بالوقوف في المدخل حتى خروج آخر ضيف". من جانبها أكدت المشرفة التربوية عائشة الحسين بأن "الانتقاد سمة أخلاقية في حال كان الهدف منه التحسين والإصلاح، وقد يخرج النقد عن هدفه السامي في حال تحول الغرض منه إلى الحط من قدر الآخرين بتوجيه الكلمات اللاذعة أمام الآخرين، من غير مراعاة للوقت المناسب". وتابعت قائلة: "بعض التصرفات تخرج النقد عن هدفه إلى غرض يؤدي إلى الفتك بالعلاقات الإنسانية، كتلك العبارات التي تطلق أمام الآخرين، ويكون القصد الأساس منها التجريح تبعا للأهواء الشخصية". وشددت الحسين على ضرورة مراعاة مشاعر الآخرين، حتى يتفادى الإنسان النقد المدمر، خاصة بين الزوج والزوجة، أو الأبناء، وأطلقت عليه "النقد المزعج والمدمر". ونوهت الحسين إلى إن هناك فارقا كبيرا بين النقد الهادف البناء، وبين ذلك النقد الذي يعتمده بعض الأشخاص بهدف التجريح، ويكون معياره فقد الذوق الشخصي والهيمنة.